[ فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين ] أى فعسى ان يكونوا في زمرة المهتدين يوم لقيامة، قال ابن عباس : كل " عسى " في القران واجبة قال الله لنبيه [ عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا ] يقول : ان ربك سيبعثك مقاما محمودا وهي الشفاعة وقال ابو حيان : و(عسى) من الله تعالى واجبة حيثما وقعت في القرآن، وفي التعبير بعسى قطع لاطماع المشركين أن يكونوا مهتدين، اذ من جمع هذه الخصال الاربعة، جعل حاله حال من ترجى له الهداية، فكيف بمن هو عار منها ؟ وفيه ترجيح الخشية على الرجاء، ورفض الاغترار بالاعمال الصالحة
[ اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله ] الخطاب للمشركين والاستفهام للانكار والتوبيخ والمعنى : اجعلتم يا معشر المشركين سقاية الحجيج، وسدانة البيت، كإيمان من امن بالله وجاهد في سبيله ؟ وهو رد على العباس حين قال :(لئن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة، فلقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج ) فنزلت، قال الطبري : هذا توبيخ من الله تعالى لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت الحرام، فاعلمهم ان الفخر في الايمان بالله، واليوم الاخر، والجهاد في سبيله
[ لا يستوون عند الله ] أى لا يتساوى المشركون بالمؤمنين، ولا اعمال اولئك باعمال هولاء ومنازلهم
[ والله لا يهدي القوم الظالمين ] هذا كالتعليل أى لا يوفق الظالمين الى معرفة الحق، ومعنى الاية : انكار ان يشبه المشركون بالمؤمنين، واعمالهم المحبطة باعمالهم المثبتة، ولما نفى المساواة بينهم، اوضحها بان الكافرين بالله هم (الظالمون ) ظلموا انفسهم بعدم الايمان، وظلموا المسجد الحرام، اذ جعلوه متعبدا لاوثانهم، واثبت للمؤمنين الهداية في الاية السابقة، ونفاها عن المشركين هنا فقال [ والله لا يهدي القوم الظالمين ] ثم قال تعالى :
[ الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله ] هذا زيادة توضيح وبيان لاهل الجهاد والايمان والمعنى : ان الذين طهروا انفسهم من دنس الشرك بالايمان، وطهروا ابدانهم بالهجرة من الاوطان، وبذلوا انفسهم واموالهم للجهاد في سبيل الرحمن، هؤلاء المتصفون بالاوصاف الجليلة اعظم اجرا، وارفع ذكرا من سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون
[ واولئك هم الفائزون ] أى وأولئك هم المختصون بالفوز العظيم في جنات النعيم
[ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ] أى يبشرهم المولى برحمة عظيمة، ورضوان كبير من رب عظيم
[ وجنات لهم فيها نعيم مقيم ] أى وبساتين عالية، قطوفها دانية، لهم في تلك الجنات نعيم دائم لا زوال له
[ خالدين فيها ابدا ] أى ماكثين في الجنان الى ما لا نهاية
[ ان الله عنده اجر عظيم ] أى ثوابهم عند الله عظيم، تعجز العقول عن وصفه، قال ابو حيان : لما وصف المؤمنين بثلاث صفات :(الايمان، والهجرة، والجهاد بالنفس والمال )، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة :(الرحمة، والرضوان، والجنان )، فبدأ بالرحمة لانها اعم النعم في مقابلة الايمان، وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الاحسان في مقابلة الجهاد، وثلث بالجنان في مقابلة الهجرة وترك الاوطان وقال الالوسي : ولا يخفى ان وصف الجنات بأن لهم فيها نعيم مقيم، جاء في غاية اللطافة، لان الهجرة فيها السفر، الذي هو قطعة من العذاب.
البلاغة :
١ - [ براءة من الله ورسوله ] التنوين للتفخيم والتقييد بأنها من الله ورسوله لزيادة التفخيم والتهويل.
٢ - [ وبشر الذين كفروا بعذاب اليم ] هذا يسمى (الاسلوب التهكمي ) لان البشارة بالعذاب تهكم به.