[ فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ] أى تحرق بها الجباه والجنوب والظهور بالكى عليها، قال ابن مسعود : والذي لا اله غيره لا يكوى عبد بكنز، فيمس دينار دينارا، ولا درهم درهما، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته، وخصت هذه الاعضاء بالكى، لان البخيل يرى الفقير قادما فيقطب جبهته، فاذا جاءه أعرض بجانبه، فاذا طالبه باحسان ولاه ظهره، وقال القرطبي : الكى في الوجه أشهر وأشنع، وفي الظهر والجنب آلم وأوجع، فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الاعضاء
[ هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ] أى يقال لهم تبكيتا وتقريعا : هذا ما كنزتموه لانفسكم، فذوقوا وبال ما كنتم تكنزونه، وفي صحيح مسلم (ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله، الا جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما الى الجنة وإما الى النار)
[ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ] أى ان عدد الشهور المعتد بها عند الله في شرعه وحكمه، هي اثنا عشر شهرا على منازل القمر، فالمعتبر به الشهور القمرية، اذ عليها يدور فلك الاحكام الشرعية
[ في كتاب الله ] أى في اللوح المحفوظ
[ يوم خلق السموات والارض ] قال ابن عباس : كتبه يوم خلق السموات والارض في الكتاب الإمام الذي عند الله
[ منها أربعة حرم ] أى منها اربعة شهور محرمة هي :(ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب ) وسميت حرما لانها معظمة محترمة، تتضاعف فيها الطاعات، ويحرم القتال فيها
[ ذلك الدين القيم ] أى ذلك الشرع المستقيم
[ فلا تظلموا فيهن انفسكم ] اي لا تظلموا في هذه الاشهر المحرمة انفسكم بهتك حرمتهن، وارتكاب ما حرم الله من المعاصي والاثام
[ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ] أى قاتلوهم جميعا مجتمعين غير متفرقين كما يقاتلكم المشركون جميعا
[ واعلموا أن الله مع المتقين ] أى معهم بالنصرة والتأييد، وهي بشارة وضمان لاهل التقوى والايمان
[ إنما النسيء زيادة في الكفر ] أى انما تأخير حرمة شهر لشهر آخر، زيادة في الكفر، لانه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه، فهو كفر آخر مضموم الى كفرهم، قال المفسرون : كان العرب اهل حروب وغارات، وكان القتال محرما عليهم في الاشهر الحرم، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون، شق عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر، كانهم يستقرضون حرمة شهر لشهر غيره، فربما أحلوا المحرم وحرموا صفر، حتى يكمل في العام اربعة اشهر محرمة
[ يضل به الذين كفروا ] أى يضل الله بسببه الكافرين ضلالا على ضلالهم
[ يحلونه عاما ويحرمونه عاما ] أى يحلون المحرم عاما والشهر الحلال عاما، فيجعلون هذا مكان هذا، والعكس
[ ليواطئوا عدة ما حرم الله ] اي ليوافقوا عدة الاشهر الحرم الاربعة
[ فيحلوا ما حرم الله ] أى فيستحلوا بذلك ما حرمه الله، قال مجاهد : كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام الى الموسم على حمار له، فيقول ايها الناس : اني لا اعاب ولا اجاب، ولا مرد لما اقول، انا قد حرمنا المحرم، واخرنا صفر، بم يجيء العام المقبل ويقول : إنا قد حرمنا صفر واخرنا المحرم، فذلك قوله تعالى [ ليواطئوا عدة ما حرم الله
[ زين لهم سوء أعمالهم ] أى زين الشيطان لهم اعمالهم القبيحة حتى حسبوها حسنة
[ والله لا يهدي القوم الكافرين ] أى لا يرشدهم الى طريق السعادة


الصفحة التالية
Icon