[ ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ] أى هذا النفير والجهاد نصرة لدين الله، خير من التثاقل الى الارض والخلود اليها، والرضا بالقليل من متاع الحياة الدنيا، ان كنتم تعلمون ذلك، قال في البحر : والخيرية في الدنيا بغلبة العدو، ووراثة الارض، وفي الاخرة بالثواب العظيم ورضوان الله.. ثم ذكر تعالى احوال المخلفين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وموقف المثبطين المنافقين منهم، فقال سبحانه
[ لو كان عرضا قريبا ] أى لو كان ما دعوا اليه غنما قريبا سهل المنال
[ وسفرا قاصدا ] أى وسفرا وسطا ليس ببعيد
[ لاتبعوك ] أى لخرجوا معك لا لوجه الله، بل طمعا في الغنيمة
[ ولكن بعدت عليهم الشقة ] أى ولكن بعدت عليهم الطريق والمسافة الشاقة، ولذلك اعتذروا عن الخروج، لما في قلوبهم من النفاق
[ وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ] أى وسيحلفون لكم معتذرين ((هذا إخبار بغيب أي سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين بهذه الاقوال الكاذبة وقد حصل كما أخبر القرآن فكان ذلك من أوضح المعجزات القرآنية )) باعذار كاذبة، قائلين : لو قدرنا على الخروج معكم لما تأخرنا، ولو كان لنا سعة في المال او قوة في الابدان، لخرجنا للجهاد معكم ! ! قال تعالى ردا عليهم وتكذيبا لهم
[ يهلكون انفسهم ] أى يوقعون انفسهم في الهلاك بأيمانهم الكاذبة
[ والله يعلم انهم لكاذبون ] أى لكاذبون في دعواهم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا
[ عفا الله عنك لم أذنت لهم ] تلطف تعالى في عتاب الرسول، حيث قدم العفو على العتاب اكراما له عليه السلام (( قال المفسرون : من هذه الاية يعرف الانسان مكانة الرسول (ص) عند ربه، وعلو قدره، وسمو منزلته، بشره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب، ولو قال له معاتبا : لم أذنت لهم ؟ لخيف عليه أن ينشق قلبه حزنا وكمدا. قال عون : هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ ناداه بالعفو قبل المعاتبة، أقول : وما ذكره الزمخشري سوء أدب في مقام الرسول (ص) حيث لم يحسن التعبير، ولا أدرك سر الإجلال والإكبار في الآية )) والمعنى : سامحك الله يا محمد، لم اذنت لهؤلاء المنافقين، في التخلف عن الخروج معك بمجرد الاعتذار! !
[ حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ] أى هلا تركتهم حتى يظهر لك الصادق منهم في عذره، من الكاذب المنافق، نزلت في المنافقين قال أناس منهم : استأذنوا رسول الله، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا، فقد كانوا مصرين على القعود عن الغزو، وإن لم يأذن لهم، فهم كاذبون في اعتذارهم، ولهذا اخبر تعالى أنه لا يستأذنه اهل الايمان فقال
[ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر ] أى لا يستأذنك يا محمد عن الجهاد، من يؤمن بالله واليوم الاخر
[ أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ] أى كراهية الجهاد بالمال والنفس، لانهم يعلمون ما أعده الله للمجاهدين الابرار من الاجر الجزيل، فكيف يتخلفون عنه ؟
[ والله عليم بالمتقين ] أى عليم بهم، لانهم مخلصون في الايمان متقون للرحمن
[ انما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر ] أى انما يستأذنك يا محمد المنافقون، الذين لم يثبت الايمان في قلوبهم
[ وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ] أى شكت قلوبهم في الله وثوابه، فهم يترددون حيارى لا يدرون ما يصنعون ا !
البلاغة :
١ - [ يحلونه عاما ويحرمونه عاما ] بين يحلون ومحرمون طباق وهو من المحسنات ا لبديعية.
٢ - [ ما لكم اذا قيل لكم ] استفهام يقصد به الانكار والتوبيخ.
٣ - [ أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة ] فيه ايجاز بالحذف أى أرضيتم بنعيم الدنيا ولذائذها بدل نعيم الاخرة.


الصفحة التالية
Icon