[ فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ] أي مسخناهم قردة بعد أن كانوا بشرا مع الذلة والإهانة
[ فجعلناها ] أي المسخة
[ نكالا لما بين يديها ] أي عقوبة زاجرة لمن يأتي بعدها من الأمم
[ وما خلفها ] أي جعلنا مسخهم قردة عبرة لمن شهدها وعاينها، وعبرة لمن جاء بعدها ولم يشاهدها
[ وموعظة للمتقين ] أي عظة وذكرى لكل عبد صالح، متق لله سبحانه وتعالى!.
البلاغة :
أولا :[ خذوا ما آتيناكم بقوة ] فيه إيجاز بالحذف أي قلنا لهم : خذوا، فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانيا :[ كونوا قردة خاسئين ] خرج الأمر عن حقيقته إلى معنى الإهانة والتحقير، وقال بعض المفسرين : هذا أمر تسخير وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة، بنقلهم من حقيقة البشرية إلى حقيقة القردة.
ثالثا :[ لما بين يديها وما خلفها ] كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر.
الفوائد :
الأولى : قال القفال : إنما قال :
[ ميثاقكم ] ولم يقل " مواثيقكم " لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم كقوله :[ ثم يخرجكم طفلا ] أي يخرج كل واحد منكم طفلا.
الثانية : قال بعض أهل اللطائف : كانت نفوس بنى إسرائيل من ظلمات عصيانها، تخبط فى عشواء حالكة الجلباب، وتخطر من غلوائها وعلوها في حلتي كبر وإعجاب، فلما أمروا بأخذ التوراة ورأوا ما فيها من أثقال، ثارت نفوسهم فرفع الله عليهم الجبل فوجدوه أثقل مما كلفوه، فهان عليهم حمل التوراة قال الشاعر :
إلى الله يدعى بالبراهين من أبى فإن لم يجب نادته بيض الصوارم
الثالثة : إنما خص المتقين بإضافة الموعظة إليهم [ وموعظة للمتقين ] لأنهم هم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير قال تعالى :[ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ].
قال الله تعالى :[ وإذ قال موسى لقومه.. إلى.. وما الله بغافل عما تعملون ] من آية (٦٧) إلى نهاية آية (٧٤).
المناسبة :
لما ذكر تعالى بعض قبائح اليهود وجرائمهم، من نقض المواثيق، واعتدائهم في السبت، وتمردهم على الله عز وجل فى تطبيق شريعته المنزلة، أعقبه بذكر نوع آخر من مساوئهم، ألا وهو مخالفتهم للأنبياء وتكذيبهم لهم، وعدم مسارعتهم لامتثال الأوامر التي يوحيها الله إليهم، ثم كثرة اللجاج والعناد للرسل صلوات الله عليهم، وجفاؤهم فى مخاطبة نبيهم الكريم (موسى) عليه السلام، إلى آخر ما هنالك من قبائح ومساوئ اتصف بها اليهود.
اللغة :
[ هزوا ] الهزؤ : السخرية بضم الزاي وقلب الهمزة واوا [ هزوا ] مثل [ كفوا أحد ] والمعنى على حذف مضاف أي أتتخذنا موضع هزؤ، أو يحمل المصدر على معنى اسم المفعول أي أتجعلنا مهزوءاً بنا
[ فارض ] الفارض : الهرمة المسنة التي كبرت وطعنت في السن، (البكر) الفتية السن التي لم تحمل بعد، ولم يلقحها الفحل لصغرها قال الشاعر :
لعمري لقد أعطيت ضيفك " فارضا " تساق إليه ما تقوم على رجل
ولم تعطه " بكراً " فيرضى سمينة فكيف تجازى بالمودة والفضل ؟
[ عوان ] وسط ليست بمسنة ولا صغيرة، وقيل هى التي ولدت بطنا أو بطنين،
[ فاقع ] الفقوع : شدة الصفرة يقال : أصفر فاقع أي شديد الصفرة كما يقال : أحمر قان أي شديد الحمرة، قال الطبري : وهو نظير النصوع في البياض
[ ذلول ] أي مذللة للعمل يقال : دابة ذلول أي ريضة زالت صعوبتها فقوله [ لا ذلول ] أي لم تذلل لإثارة الأرض أي لحرثها
[ مسلمة ] من السلامة أي خالصة ومبرأة من العيوب
[ شية ] الشية : اللمعة المخالفة لبقية اللون الأصلي، قال الطبري :[ لا شية فيها ] أي لا بياض ولا سواد يخالف لونها