[ وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ] أى ترقبا وانتظارا لقدوم " أبى عامر الفاسق " الذي قال لرسول الله : لا اجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك معهم، وهو الذي امرهم ببناء المسجد، ليكون معقلا له، قال الطبري في رواية الضحاك : هم ناس من المنافقين بنوا مسجدا بقباء، يضارون به نبى الله والمسلمين، وكانوا يقولون : اذا رجع ابو عامر صلى فيه، واذا قدم ظهر على " محمد " وتغلب عليه
[ وليحلفن إن أردنا الا الحسنى ] اي وليقسمن ما اردنا ببنائه الا الخير والاحسان، من الرفق بالمسكين، والتوسعة على المصلين
[ والله يشهد أنهم لكاذبون ] أى والله يعلم كذبهم في ذلك الحلف، وأتى بإن واللام لزيادة التأكيد.. ثم نهى تعالى رسوله عن الصلاة في مسجد الضرار فقال
[ لا تقم فيه أبدا ] أى لا تصل فيه يا محمد أبدا، لأنه لم يبن الا ليكون معقلا لأهل النفاق
[ لمسجد أسس على التقوى ] اللام لام القسم أى لمسجد قباء الذي بني على تقوى الله وطاعته
[ من أول يوم ] أى من اول يوم ابتدىء في بنائه
[ أحق أن تقوم فيه ] أى أولى وأجدر بأن تصلي فيه من مسجد الضرار
[ فيه رجال يحبون أن يتطهروا ] أى في هذا المسجد رجال اتقياء - وهم الانصار - يحبون ان يتطهروا من الذنوب والمعاصي
[ والله يحب المطهرين ] أى المبالغين في الطهارة، الظاهرة والباطنة، ثم اشار تعالى الى الفارق بين مسجد التقوى، ومسجد الضرار بتمثيل فقال :
[ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان ] الاستفهام للانكار، والمعنى : هل من اسس بنيانه على تقوى وخوف من الله تعالى وطلب لمرضاته بالطاعة
[ خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ] أى هل ذلك خير ؟ ام هذا الذي اسس بنيانه على طرف واد متصدع مشرف على السقوط ؟
[ فانهار به في نار جهنم ] أى فسقط به البناء في نار جهنم
[ والله لا يهدي القوم الظالمين ] أى لا يوفق الظالمين الى السداد، ولا يهديهم سبيل الرشاد، والآية الكريمة على سبيل " التشبيه والتمثيل " لعمل اهل الاخلاص، والايمان، وعمل اهل النفاق والضلال، والمعنى هل من اسس بنيان دينه على التقوى والاخلاص، كمن اسسه على الباطل والنفاق، الذي يشبه طرف الوادي او الجبل الذي شارف على السقوط ؟
[ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ] أى لا يزال في قلوب اهل مسجد الضرار شك ونفاق، وغيظ وارتياب بسبب هدمه، يحسبون انهم كانوا في بنائه محسنين، روي ان النبي (ص) بعث الى ذلك المسجد، من هدمه وحرقه، وامر بالقاء الجيف والنتن والقمامة فيه، اهانة لاهله، فلذلك اشتد غيظ المنافقين وحقدهم
[ إلا أن تقطع قلوبهم ] أى لا يزالون في ارتياب وغيظ إلا ان تتصدع قلوبهم فيموتوا
[ والله عليم حكيم ] أى والله سبحانه عليم باحوال المنافقين، حكيم في تدبيره اياهم ومجازاتهم بسوء نياتهم.
البلاغة :
١ - [ الغيب والشهادة ] بين الكلمتين طباق، وهو من المحسنات البديعية.
٢ - [ لا يرضى عن القوم الفاسقين ] الاظهار في موضع الاضمار لزيادة التشنيع والتقبيح، واصله لا يرضى عنهم.
٣ - [ سيدخلهم في رحمته ] فيه مجاز مرسل أى يدخلهم في جنته التي هي محل الرحمة، وهو من اطلاق الوصف وارادة المحل.
٤ - [ عملا صالحا وآخر سيئا ] بين [ صالحا وسيئا ] طباق.
٥ - [ إن صلاتك سكن لهم ] فيه تشبيه بليغ حيث جعل الصلاة نفس السكن والاطمئنان مبالغة، واصله كالسكن حذفت اداة التشبيه ووجه الشبه فاصبح بليغا.
٦ - [ هار فانهار ] بينهما جناس ناقص، وهو من المحسنات البديعية.
٧ - [ أفمن أسس بنيانه على تقوى ] في الكلام (استعارة مكنية) حيث شبهت التقوى والرضوان بأرض صلبة يعتمد عليها البنيان، وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو التأسيس.
تنبيه :


الصفحة التالية
Icon