[ فقلنا اضربوه ببعضها ] أي اضربوا القتيل بشيء من البقرة، يحيا ويخبركم عن قاتله
[ كذلك يحي الله الموتى ] أي كما أحيا هذا القتيل أمام أبصاركم، كذلك يحي الموتى، ويخرجهم من قبورهم
[ ويريكم آياته لعلكم تعقلون ] أي يريكم دلائل قدرته، لتتفكروا وتتدبروا وتعلموا أن الله على كل شيء قدير.. ثم أخبر تعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم فقال :
[ ثم قست قلوبكم ] أي صلبت قلوبكم يا معشر اليهود، فلا يؤثر فيها وعظم ولا تذكير
[ من بعد ذلك ] أي من بعد رؤية المعجزات الباهرة
[ فهي كالحجارة أو أشد قسوة ] أي بعضها كالحجارة، وبعضها أشد قسوة من الحجارة كالحديد
[ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ] أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة
[ وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ] أى من الحجارة ما يتصدع اشفاقا من عظمة الله، فينبع منه الماء
[ وإن منها لما يهبط من خشية الله ] أي ومنها ما يتفتت ويتردى من رؤوس الجبال من خشية الله، فالحجارة تلين وتخشع، وقلوبكم يا معشر اليهود لا تتأثر ولا تلين
[ وما الله بغافل عما تعملون ] أي أنه تعالى رقيب على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية، وسيجازيهم عليها يوم القيامة، وفي هذا وعيد وتهديد شديد!.
البلاغة :
أولا : قوله تعالى :[ فذبحوها وما كادوا يفعلون ] من إيجاز القرآن وإبداعه أن حذف من صدر هذه الجملة، جملتين مفهومتين من نظم الكلام والتقدير : فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف السابقة، وحصلوها، فلما اهتدوا إليها ذبحوها، وهذا من الإيجاز بالحذف اللطيف، لأن الفهيم يدركه.
ثانيا : قوله تعالى :[ والله مخرج ما كنتم تكتمون ] هذه الجملة اعتراضية بين قوله :[ فادارأتم ] وقوله :[ فقلنا اضربوه ] والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال، تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسناً، وفائدة الاعتراض هنا إشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي لا محالة.
ثالثا :[ ثم قست قلوبكم ] وصف القلوب بالصلابة والغلظ، يراد منه نبوها عن الاعتبار، وعدم تأثرها بالمواعظ والنصائح، ففيه استعارة تصريحية، قال أبو السعود : القسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما في الحجر، استعيرت لنبو قلوبهم عن التأثر بالعظات، والقوارع التى تميع منها الجبال، وتلين بها الصخور.
رابعا :[ فهي كالحجارة ] فيه تشبيه يسمى (مرسلا مجملا) لأن أداة التشبيه مذكورة وهي الكاف، ووجه الشبه محذوف وهو الصلابة والقسوة.
خامسا :[ لما يتفجر منه الأنهار ] أي ماء الأنهار، والعرب يطلقون اسم المحل كالنهر، على الحال فيه كالماء، والقرينة ظاهرة لأن التفجر إنما يكون للماء ويسمى هذا (مجازاً مرسلا).!
الفوائد :
الفائدة الأولى : نبه قوله تعالى :[ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ] على أن الاستهزاء بأمر من أمور الدين جهل كبير، وقد منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات، كأمثال يضربونها في مقام المزاح والهزل، وقالوا إنما أنزل القرآن للتدبر والخشوع، لا للتسلي والتفكه والمزاح، ويخشى على من فعل ذلك من الكفر، لقوله تعالى :[ قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ].
الثانية : الخطاب في قوله :[ وإذ قتلتم نفسا ] لليهود المعاصرين للنبى (ص) وقد جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام، إذ ينسب إلى الخلف ما فعل السلف، إذا كانوا سائرين على نهجهم، راضين بفعلهم، وفيه توبيخ وتقريح للغابرين والحاضرين.


الصفحة التالية
Icon