الثالثة : هذه الواقعة (واقعة قتل النفس) جرت قبل أمرهم بذبح البقرة، وإن وردت في الذكر بعده، والسر في ذلك : التشويق إلى معرفة السبب في ذبح البقرة، والتكرير في التقريع والتوبيخ، قال العلامة أبو السعود : وإنما غير الترتيب لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع، فإن كل واحد من قتل النفس المحرمة، والاستهزاء بموسى عليه السلام والافتيات على أمره، جناية عظيمة جديرة بأن تنعى عليهم.
الرابعة : ذكر تعالى إحياء الموتى في هذه السورة الكريمة فى خمسة مواضع :
-الأول : في قوله :[ ثم بعثناكم من بعد موتكم ]
-الثاني : وفي هذه القصة [ فقلنا اضربوه ببعضها ]
-الثالث : في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت [ فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ]
-الرابع : فى قصة عزير [ فأماته الله مائة عام ثم بعثه ]
-الخامس : في قصة إبراهيم [ رب أرني كيف تحي الموتى ] ؟.
الخامسة :[ أو ] في قوله تعالى :[ فهي كالحجارة أو أشد قسوة ] بمعنى " بل " أي بل أشد قسوة كقوله تعالى :[ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ] أي بل يزيدون.
السادسة : ذهب بعض المفسرين إلى أن الخشية هنا حقيقية، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها كقوله تعالى :[ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ] وقال آخرون : بل هو من باب المجاز كقول القائل : قال الحائط للمسمار : لم تشقني ؟ قال : سل من يدقني ؟ فهو بطريق التمثيل لروعة التأثير حتى على الجماد، والله أعلم.
قال الله تعالى [ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم.. إلى.. فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] من آية (٧٥) إلى نهاية آية (٨٢).
المناسبة :
لما ذكر تعالى عناد اليهود، وعدم امتثالهم لأوامر الله تعالى، ومجادلتهم للأنبياء الكرام، وعدم الانقياد والإذعان، عقب ذلك بذكر بعض القبائح والجرائم التى ارتكبوها، كتحريف كلام الله تعالى، وادعائهم بأنهم أحباب الله، وأن النار لن تمسهم إلا بضعة أيام قليلة، إلى آخر ما هم عليه من أماني كاذبة، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وقد بدأ تعالى الآيات بتيئيس المسلمين من إيمانهم، لأنهم فطروا على الضلال، وجبلوا على العناد والمكابرة.
اللغة :
[ أفتطمعون ] الطمع : تعلق النفس بشيء مطلوب تعلقا قويا، فإذا اشتد فهو طمع، وإذا ضعف كان رجاء ورغبة
[ فريق ] الفريق : الجماعة وهو اسم جمع، لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم.
[ يحرفونه ] التحريف : التبديل والتغيير وأصله من الانحراف عن الشيء
[ عقلوه ] عقل الشيء أدركه بعقله، والمراد فهموه وعرفوه
[ أميون ] جمع أمي وهي وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، سمى بذلك نسبة إلى الأم، لأنه باق على الحالة التي ولدته عليه أمه، من عدم المعرفة
[ أماني ] جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان ويشتهيه، أو يقدره في نفسه من منى، ولذلك تطلق على الكذب، قال أعرابي لإنسان :" أهذا شيء رأيته أم تمنيته " أي اختلقته، وتأتي بمعنى قرأ، قال حسان : تمنى كتاب الله أول ليله
[ فويل ] الويل : الهلاك والدمار، وقيل : الفضيحة والخزي، وهي كلمة تستعمل في الشر والعذاب، قال القاضي : هي نهاية الوعيد والتهديد كقوله :[ ويل للمطففين ] وقال سيبويه :(ويل) لمن وقع في الهلكة، و(ويح) لمن أشرف عليها.
سبب النزول :
١- نزلت فى الأنصار كانوا حلفاء لليهود، وبينهم جوار ورضاعة، وكانوا يودون لو أسلموا فأنزل الله تعالى [ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم.. ] الآية.
٢- وروى مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون : إن عمر هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في انار، وإنما هي سبعة أيام معدودة، فأنزل الله تعالى :[ وقالوا لن تمسنا الله أياما معدودة ].
التفسير :
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين فيقول :[ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ] أي أترجون يا معشر المؤمنين أن يسلم اليهود، ويدخلوا في دينكم ؟