[ وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ] أي والحال قد كان طائفة من أحبارهم وعلمائهم، يتلون كتاب الله ويسمعونه بينا جليا
[ ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ] أي يغيرون آيات التوراة بالتبديل أو التأويل، من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم
[ وهم يعلمون ] أنهم يرتكبون جريمة، أي إنهم يخالفون أوامره وأحكامه، عن بصيرة، لا عن خطأ أو نسيان
[ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ] أي إذا اجتمعوا بأصحاب النبي (ص) قال المنافقون من اليهود : آمنا بأنكم على الحق، وأن محمداً هو الرسول المبشر به
[ وإذا خلا بعضهم إلى بعض ] أي إذا انفرد واختلى بعضهم ببعض
[ قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ] أي قالوا عاتبين عليهم : أتخبرون أصحاب محمد بما بين الله لكم في التوراة، من صفة محمد (ص)
[ ليحاجوكم به عند ربكم ] أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم فى الآخرة، في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه ؟
[ أفلا تعقلون ] أي أفليست لكم عقول تمنعكم، من أن تحدثوهم بما يكون لهم فيه حجة عليكم ؟ والقائلون ذلك هم اليهود لمن نافق منهم، قال تعالى ردا عليهم وتوبيخا
[ أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ] أي ألا يعلم هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفون وما يظهرون، وأنه تعالى لا تخفى عليه خافية، فكيف يقولون ذلك، ثم يزعمون الإيمان !! وفي هذا غاية التوبيخ لهم، والتسفيه لعقولهم!. ولما ذكر تعالى العلماء الذين حرفوا وبدلوا، ذكر العوام الذين قلدوهم، ونبه أنهم في الضلال سواء، فقال سبحانه :
[ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ] أي ومن اليهود طائفة من الجهلة العوام، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ليطلعوا على ما في التوراة بأنفسهم، ويتحققوا بما فيها
[ إلا أماني ] أي ليس لهم علم بالتوراة، إلا ما هم عليه من الأماني الخادعة، التي مناهم بها أحبارهم، من أن الله يعفو عنهم ويرحمهم، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، إلى غير ما هنالك من الأماني الفارغة
[ وإن هم إلا يظنون ] أي وما هم على يقين ثابت من أمر دينهم، بل هم مقلدون للآباء، تقليد أهل العمى والغباء!! ثم ذكر تعالى جريمة أولئك الرؤساء المضلين، الذين أضلوا العامة فى سبيل حطام الدنيا فقال سبحانه :
[ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ] أي هلاك وعذاب لأولئك الأشقياء الفجار، الذين حرفوا التوراة، وكتبوا تلك الآيات المحرفة بأيديهم
[ ثم يقولون هذا من عند الله ] أي يقولون لأتباعهم الأميين : هذا الذي تجدونه هو من نصوص التوراة، التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، مع أنهم كتبوها بأيديهم، ونسبوها إلى الله كذبا وزورا
[ ليشتروا به ثمنا قليلا ] أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني
[ فويل لهم مما كتبت أيديهم ] أي فهلاك ودمار، وشدة عذاب لهم، على ما فعلوه من تحريف كلام الله
[ وويل لهم مما يكسبون ] أي وويل لهم مما يصيبون من الحرام والسحت
[ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ] أي لن ندخل النار إلا أياماً قلائل، هي مدة عبادة العجل، أو سبعة أيام فقط
[ قل أتخذتم عند الله عهدا ] ؟ أي قل لهم يا محمد على سبيل الإنكار والتوبيخ : هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك ؟ فإذا كان قد وعدكم بذلك
[ فلن يخلف الله عهده ] لأن الله لا يخلف الميعاد
[ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ] أي أم تكذبون على الله، فتقولون عليه ما لم يقله، فتجمعون بين جريمة التحريف لكلام الله، والكذب والبهتان عليه جل وعلا ؟! ثم بين تعالى كذب اليهود، وأبطل مزاعمهم أن النار لن تمسهم، وأنهم لا يخلدون فيها، فقال :