الثالثة : روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :" لما فتحت خيبر، أهديت لرسول الله (ص) شاة فيها سم، فقال رسول الله (ص) : اجمعوا لي من كان من اليهود هنا، فقال لهم رسول الله (ص) : إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي فيه ؟ قالوا : نعم، يا أبا القاسم، فقال لهم (ص) : من أبوكم ؟ قالوا : فلان قال : كذبتم، بل أبوكم فلان، فقالوا صدقت وبررت يا أبا القاسم، ثم قال لهم : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول الله (ص) : من أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها!! فقال لهم رسول الله (ص) : اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم رسول الله (ص) : هل أنتم صادقي عن شئ إن سألتكم عنه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم، قال : هل جعلتم فى هذه الشاة سما ؟ فقالوا : نعم، قال : فما حملكم على ذلك ؟ فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك ؟.
قال الله تعالى :[ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله.. إلى.. ولا هم ينصرون ] من آية (٨٣) إلى نهاية آية (٨٦).
المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمات تعدد جرائم اليهود، وفي هذه الآيات الكريمة أمثلة صارخة على عدوانهم وطغيانهم وإفسادهم في الأرض، فقد نقضوا الميثاق، الذي أخذه الله عليهم في التوراة، وقتلوا النفس التي حرم الله، واستباحوا أكل أموال الناس بالباطل، واعتدوا على إخوانهم في الدين، فأخرجوهم من الديار، فاستحقوا اللعنة والخزي والدمار.
اللغة :
[ ميثاق ] الميثاق : العهد المؤكد باليمين غاية التأكيد، فإن لم يكن مؤكدا سمي عهدا
[ حسنا ] الحسن : اسم عام جامع لمعاني الخير، ومنه لين القول، والأدب الجميل، والخلق الكريم، وضده القبح، والمعنى : قولوا قولا حسنا فهو صفة لمصدر محذوف
[ توليتم ] التولي عن الشيء : الإعراض عنه ورفضه وعدم قبوله كقوله :[ فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ] وفرق بعضهم بين التولي والإعراض، فقال : التولي بالجسم، والإعراض بالقلب
[ تظاهرون ] تتعاونون وهو مضارع حذف منه أحد التاءين، كأن المتظاهرين يسند كل واحد منهما ظهره الى الآخر، والظهير : المعين
[ الإثم ] الذنب الذي يستحق صاحبه الملامة وجمعه آثام
[ العدوان ] تجاوز الحد في الظلم
[ خزي ] الخزي : الهوان والمقت والعقوبة.
التفسير :
[ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ] أي اذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا على أسلافكم يا معشر اليهود، العهد المؤكد غاية التأكيد
[ لا تعبدون إلا الله ] بأن لا تعبدوا غير الله تعالى
[ وبالوالدين إحسانا ] أي وأمرناهم بأن يحسنوا إلى الوالدين إحسانا
[ وذي القربى واليتامى والمساكين ] أي وأن يحسنوا أيضا إلى الأقرباء، واليتامى الذين مات آباؤهم وهم صغار، والمساكين الذين عجزوا عن الكسب لضعفهم
[ وقولوا للناس حسنا ] أي قولوا للناس قولا حسنا، بخفض الجناح، ولين الجانب، مع الكلام الطيب
[ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ] أي صلوا وزكوا كما فرض الله عليكم، من أداء الركنين العظيمين (الصلاة، والزكاة) لأنهما أعظم العبادات البدنية والمالية
[ ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ] أي ثم رفضتم وأسلافكم الميثاق رفضا باتا، وأعرضتم عن العمل بموجبه، إلا قليلا منكم ثبتوا عليه
[ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ] أي واذكروا أيضا يا بني إسرائيل، حين أخذنا عليكم العهد المؤكد، بأن لا يقتل بعضكم بعضا
[ ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ] ولا يعتدي بعضكم على بعض، بالإخراج من الديار، والإجلاء عن الأوطان
[ ثم أقررتم وأنتم تشهدون ] أي ثم اعترفتم بالميثاق، وبوجوب المحافظة عليه، وأنتم تشهدون بلزومه