الثانية :[ وقولوا للناس حسنا ] ولم يقل : وقولوا لإخوانكم أو قولوا للمؤمنين حسنا، ليدل على أن الأمر بالإحسان، عام لجميع الناس، المؤمن منهم والكافر، والبر والفاجر، وفي هذا حض على مكارم الأخلاق، بلين الكلام، وبسط الوجه، والأدب الجميل، والخلق الكريم قال أحد الأدباء : بني إن البر شيء هين وجه طليق ولسان لين
قال الله تعالى :[ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل.. إلى.. ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ] من آية (٨٧) إلى نهاية آية (٩٢).
اللغة :
[ الكتاب ] التوراة
[ وقفينا ] أردفنا وأتبعنا، وأصله من القفا يقال : قفاه إذا اتبعه، وقفاه بكذا إذا اتبعه إياه
[ البينات ] المعجزات الباهرات كإبراء الأعمى والأبرص، وإحياء الموتى
[ أيدناه ] قويناه مأخوذ من الأيد وهو القوة
[ روح القدس ] جبريل عليه السلام، والقدس : الطهر والبركة
[ تهوى ] تحب من هوي إذا أحب ومصدره الهوى
[ غلف ] جمع أغلف، والغلاف : الغطاء، يقال : سيف أغلف إذا كان في غلافه، وقلب أغلف أي مستور عن الفهم والتمييز، مستعار من (الأغلف) وهو الذى لم يختن
[ لعنهم ] أصل اللعن فى كلام العرب : الطرد والإبعاد، يقال : ذئب لعين أي مطرود مبعد، والمراد : أقصاهم وأبعدهم عن رحمته
[ يستفتحون ] يستنصرون من الاستفتاح وهو طلب الفتح أي النصرة
[ بئسما ] أصلها بئس ما أي بئس الذي، وبئس فعل للذم، كما أن " نعم " للمدح
[ بغيا ] البغي : الحسد والظلم، وأصله الفساد من بغى الجرح إذا فسد، قاله الأصمعي
[ باءوا ] رجعوا، وأكثر ما يستعمل في الشر، كقولهم : باء بالخزي واللعنة.
[ مهين ] مخز مذل، مأخوذ من الهوان بمعنى الذل.
المناسبة :
لا تزال الايات تتحدث عن بنى اسرائيل، وفى هذه الايات الكريمة تذكير لهم بضرب من النعم، التى أكرمهم الله بها، ثم قابلوها بالكفر والاجرام، كعادتهم فى مقابلة الاحسان بالاساءة، والنعمة بالكفران والجحود.
التفسير :
[ ولقد آتينا موسى الكتاب ] أي أعطينا موسى التوراة
[ وقفينا من بعده بالرسل ] أي أتبعنا وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل
[ وآتينا عيسى ابن مريم البينات ] أي أعطينا عيسى الآيات البينات، والمعجزات الواضحات الدالة على نبوته
[ وأيدناه بروح القدس ] أي قويناه وشددنا أزره بأمين السماء (جبريل) عليه السلام
[ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ] أي أفكلما جاءكم يا بني إسرائيل، رسول بما لا يوافق هواكم
[ استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ] أي تكبرتم عن اتباعه، فطائفة منهم كذبتموهم، وطائفة قتلتموهم ؟. ثم أخبر تعالى عن اليهود المعاصرين للنبى (ص) وبين ضلالهم فى اقتدائهم بالأسلاف، فقال حكاية عنهم
[ وقالوا قلوبنا غلف ] أي مغطاة في أكنة لا تفقه ولا تعي ما تقوله يا محمد، والغرض إقناطه عليه السلام من إيمانهم، قال تعالى ردا عليهم :
[ بل لعنهم الله بكفرهم ] أي طردهم وأبعدهم من رحمته، بسبب كفرهم وضلالهم
[ فقليلا ما يؤمنون ] أي فقليل من يؤمن منهم، أو يؤمنون إيمانا قليلا، وهو إيمانهم ببعض الكتاب، وكفرهم بالبعض الآخر
[ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ] وهو القرآن العظيم الذي أنزل على خاتم المرسلين، مصدقا لما في التوراة
[ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ] أي وقد كانوا قبل مجيئه يستنصرون به على أعدائهم، ويقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان، الذي نجد نعته في التوراة
[ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ] أي فلما بعث محمد (ص) الذي عرفوه حق المعرفة كفروا برسالته
[ فلعنة الله على الكافرين ] أي لعنة الله على اليهود، الذين كفروا بخاتم المرسلين
[ بئسما اشتروا به أنفسهم ] أي بئس الشئ التافه، الذى باع به هؤلاء اليهود أنفسهم
[ أن يكفروا بما أنزل الله ] أي كفرهم بالقرآن الذي أنزله الله على خاتم رسله