[ بغيا ] أي حسدا وطلبا لما أكرم الله به غيرهم
[ أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ] أي حسدا منهم، من أجل أن ينزل الله وحيا من فضله على من يشاء ويصطفيه من خلقه
[ فباءوا بغضب على غضب ] أي رجعوا بغضب من الله زيادة على سابق غضبه عليهم
[ وللكافرين عذاب مهين ] أي ولهم عذاب شديد مع الإهانة والإذلال، لأن كفرهم سببه التكبر والحسد، فقوبلوا بالإهانة والصغار
[ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ] أي آمنوا بما أنزل الله من القرآن العظيم، وصدقوه واتبعوه
[ قالوا نؤمن بما أنزل علينا ] أي يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة
[ ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ] أي يكفرون بالقرآن مع أنه هو الحق، موافقا لما معهم من كلام الله
[ قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ] ؟ أي قل لهم يا أيها الرسول، إذا كنتم صادقين في دعوى الإيمان، فلم قتلتم أنبياء الله، الذين بعثهم الله لهدايتكم، قبل بعثة محمد (ص) ؟ وهل يقتل مؤمن نبيا، إذا كان صادقا في دعوى الإيمان ؟
[ ولقد جاءكم موسى بالبينات ] أي بالحجج الباهرات
[ ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ] أي عبدتم العجل من بعد ذهابه إلى الطور، وأنتم ظالمون لأنفسكم في هذا الصنيع القبيح!
البلاغة :
١- تقديم المفعول في الموضعين [ فريقا كذبتم ] و[ فريقا تقتلون ] للاهتمام وتشويق السامع إلى ما يلقى إليه.
٢- التعبير بالمضارع [ وفريقا تقتلون ] ولم يقل " قتلتم " كما قال كذبتم، لأن الفعل المضارع – كما هو المألوف في أساليب البلاغة – يستعمل فى الأفعال الماضية، التي بلغت من الفظاعة مبلغاً عظيما، فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع، وجعله ينظر إليها بعينه، فيكون إنكاره لها أبلغ، واستفظاعه لها أعظم.
٣- وضع الظاهر مكان الضمير [ فلعنة الله على الكافرين ] ولم يقل " عليهم " ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم الفظيع.
٤- الإخبار في قوله :[ ولقد جاءكم موسى بالبينات ] يراد به التبكيت والتوبيخ على عدم اتباع الرسول (ص).
٥- أسندت الإهانة إلى العذاب فقال :[ عذاب مهين ] لأن الإهانة تحصل بعذابهم، ومن أساليب البيان إسناد الأفعال إلى أسبابها.
فائدة :
قال الحسن البصري : إنما سمى جبريل (روح القدس) لأن القدس هو الله، وروحه جبريل، فالإضافة للتشريف، قال الرازي : ومما يدل على أن روح القدس جبريل، قوله تعالى في سورة النحل :[ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ].
قال الله تعالى :[ وإذ أخذنا ميثاقكم.. إلى.. فإن الله عدو للكافرين ] من آية (٩٣) إلى نهاية آية (٩٨).
المناسبة :
هذه طائفة أخرى من جرائم اليهود الشنيعة، فقد نقضوا الميثاق حتى رفع جبريل جبل الطور عليهم، وأمروا أن يأخذوا بما في التوراة، فأظهروا القبول والطاعة، ثم عادوا إلى الكفر والعصيان، فعبدوا العجل من دون الله، وزعموا أنهم أحباب الله، وأن الجنة خالصة لهم من دون الناس، لا يدخلها أحد سواهم، وعادوا الملائكة الأطهار، وعلى رأسهم جبريل عليه السلام، وكفروا بالأنبياء والرسل، وهكذا شأنهم فى سائر العصور والدهور، البغي والعدوان.
اللغة :
[ ميثاقكم ] الميثاق : العهد المؤكد بيمين
[ الطور ] هو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام
[ بقوة ] بعزم وجد
[ أشربوا ] أشرب : سقي أي جعلت قلوبهم تشربه، يقال : أشرب قلبه حب كذا، قال زهير :
فصحوت عنها بعد حب داخل والحب تشربه فؤادك داء
[ خالصة ] مصدر كالعافية والعاقبة بمعنى الخلوص، أي خاصة بكم لا يشارككم فيها أحد
[ أحرص ] الحرص : شدة الرغبة في الشيء وفي الحديث " احرص على ما ينفعك "
[ بمزحزحه ] الزحزحة : الإبعاد والتنحية قال تعالى :[ فمن زحزح عن النار ] أي أبعد، وقال الشاعر : خليلي ما بال الدجى لا يزحزح وما بال ضوء الصبح لا يتوضح ؟
التفسير :