[ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ] أي اذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا عليكم العهد المؤكد، على العمل بما في التوراة، ورفعنا فوقكم جبل الطور، قائلين :
[ خذوا ما آتيناكم بقوة ] أي بعزم وحزم، وإلا طرحنا الجبل فوقكم
[ واسمعوا ] أي سماع طاعة وقبول
[ قالوا سمعنا وعصينا ] أي سمعنا قولك، وعصينا أمرك
[ وأشربوا في قلوبهم العجل ] أي خالط حبه قلوبهم، وتغلغل في سويدائها، والمراد أن حب عبادة العجل، امتزج بدمائهم، ودخل في قلوبهم، كما يدخل الصبغ في الثوب، والماء في البدن
[ بكفرهم ] أي بسبب كفرهم
[ قل بئسما يأمركم به إيمانكم ] أي قل لهم على سبيل التهكم بهم : بئس هذا الإيمان الذى يأمركم بعبادة العجل
[ إن كنتم مؤمنين ] أي إن كنتم تزعمون الإيمان، فبئس هذا العمل والصنيع!! والمعنى المقصود أن يقول لهم : لستم بمؤمنين، لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل
[ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس ] أي قل لهم يا محمد إن كانت الجنة لكم خاصة، لا يشارككم في نعيمها أحد، كما زعمتم
[ فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ] أي اشتاقوا الموت الذي يوصلكم إلى الجنة، لأن نعيم هذه الحياة لا يساوي شيئا، إذا قيس بنعيم الآخرة، ومن أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها، قال تعالى راداً عليهم تلك الدعوى الكاذبة
[ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ] أي لن يتمنوا الموت ما عاشوا، بسبب ما اجترحوه من الذنوب والآثام
[ والله عليم بالظالمين ] أي عالم بظلمهم وإجرامهم، وسيجازيهم على ذلك
[ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ] أي ولتجدن اليهود أشد الناس حرصا على الحياة، وأحرص من المشركين أنفسهم، وذلك لعلمهم بأنهم صائرون إلى النار لإجرامهم
[ يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ] أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة
[ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ] أي وما طول العمر – مهما عمر – بمبعده ومنجيه من عذاب الله
[ والله بصير بما يعملون ] أي مطلع على أعمالهم، فيجازيهم عليها
[ قل من كان عدوا لجبريل ] أي قل لهم يا محمد : من كان عدوا لجبريل، فإنه عدو لله، لأن الله جعله واسطة بينه وبين رسله، فمن عاداه فقد عادى الله
[ فإنه نزله على قلبك بإذن الله ] أي فإن جبريل الأمين، نزل هذا القرآن على قلبك يا محمد، بأمر الله تعالى
[ مصدقا لما بين يديه ] أي مصدقا لما سبقه من الكتب السماوية
[ وهدى وبشرى للمؤمنين ] أي وفيه الهداية الكاملة، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم
[ من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ] أي من عادى الله وملائكته ورسله، وعادى على الوجه الأخص " جبريل وميكائيل " فهو كافر عدو لله
[ فإن الله عدو للكافرين ] لأن الله يبغض من عادى أحدا من أوليائه، ومن عاداهم عاداه الله، ففيه الوعيد والتهديد الشديد.
سبب النزول :
روي أن اليهود قالوا للنبى (ص) : إنه ليس نبي من الأنبياء، إلا يأتيه ملك من الملائكة، من عند ربه (بالرسالة وبالوحي)، فمن صاحبك يا محمد حتى نتابعك ؟ قال :(جبريل)، قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا! لو قلت : ميكائيل الذى ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك!! فأنزل الله عز وجل هذه الآية :[ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك.. ] الآية.
البلاغة :
١- [ وأشربوا فى قلوبهم العجل ] فيه استعارة مكنية، شبه حب عبادة العجل، بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الإشراب على طريق الاستعارة المكنية. قال فى تلخيص البيان :" وهذه استعارة، والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبه، فمازجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ ".


الصفحة التالية
Icon