أقول : هذه صورة رائعة فريدة، من روائع البيان، فكأن حب العجل شراب حلو لذيذ، خالطت حلاوته الأفواه والأمعاء، فسرى فيها كما يسري الشراب في مسالك البدن.
٢- [ قل بئسما يأمركم به إيمانكم ] إسناد الأمر إلى الإيمان، تهكم بهم كقوله تعالى :[ أصلاتك تأمرك ] ؟ وكذلك إضافة الإيمان إليهم، أفاده الزمخشري.
٣- التنكير في قوله :[ على حياة ] للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين.
٤- [ فإن الله عدو للكافرين ] الجملة واقعة في جواب الشرط، وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح، لأنها تفيد الثبات، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال :[ عدو للكافرين ] بدل عدو لهم، لتسجيل صفة الكفر عليهم، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين.
٥- [ وجبريل وميكال ] جاء اسمهما بعد ذكر (الملائكة) فهو من باب ذكر الخاص بعد العام، للتشريف والتعظيم.
الفوائد :
الأولى : ليس معنى السمع في قوله :[ واسمعوا ] إدراك القول فقط، بل المراد به سماع (تدبر وطاعة والتزام)، فهو مؤكد ومقرر لقوله :[ خذوا ما آتيناكم بقوة ].
الثانية : خص القلب بالذكر [ نزله على قلبك ] لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف، كما قال تعالى :[ لهم قلوب لا يعقلون بها ].
الثالثة : الحكمة في الإتيان هنا ب " لن " [ ولن يتمنوه أبداً ] وفي الجمعة بـ " لا " [ ولا يتمنونه أبدا ] أن ادعاءهم هنا أعظم، فإنهم ادعوا اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم (أولياء لله) من دون الناس، فناسب هنا التوكيد (بلن) المفيدة للتأبيد فى الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفي.
الرابعة : الآية الكريمة من المعجزات، لأنها إخبار بالغيب، وكان الأمر كما أخبر، ويكفي في تحقق (هذه المعجزة) أن لا يقع تمني الموت من اليهود، الذين كانوا في عصره (ص) وفي الحديث الشريف " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ".
قال الله تعالى :[ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات.. إلى قوله : لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ] من آية (٩٩) إلى نهاية آية (١٠٣).
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما جبل عليه اليهود، من خبث السريرة ونقض العهود، والتكذيب لرسل الله، حتى انتهى بهم الحال إلى عداوة " جبريل " الأمين عليه السلام، أعقب ذلك ببيان أن من عادة اليهود، عدم الوفاء بالعهود، وتكذيب الرسل، واتباع طرق الشعوذة والضلال، وفي ذلك تسلية لرسول الله (ص) حيث نبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتبعوا ما ألقت إليهم الشياطين، من كتب السحر والشعوذة، ونسبوها إلى سليمان عليه السلام، وهو منها بريء، وهكذا حالهم مع جميع الرسل الكرام، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.
اللغة :
[ نبذ ] النبذ : الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذا، لأنه ينبذ على الطريق، قال الشاعر :
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحلوا المحرما
[ تتلو ] تحدث وتروي، من التلاوة بمعنى القراءة، أو بمعنى الاتباع، قال الطبري : ولقول القائل :" هو يتلو كذا " في كلام العرب معنيان : أحدهما الاتباع كما تقول : تلوت فلانا إذا مشيت خلفه وتبعت أثره، والآخر : القراءة والدراسة، كقولك : فلان يتلو القرآن أي يقرؤه
[ السحر ] قال الجوهري : كل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، وسحره أيضا بمعنى خدعه وفي الحديث " إن من البيان لسحرا "
[ فتنة ] الفتنة : الابتلاء والاختبار، ومنه قولهم : فتنت الذهب إذا امتحنته بالنار لتعرف سلامته أو غشه
[ خلاق ] الخلاق : النصيب، قال الزجاج : هو النصيب الوافر من الخير، وأكثر ما يستعمل في الخير
[ لمثوبة ] المثوبة : الثواب والجزاء.
التفسير :
[ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ] أي والله لقد أنزلنا إليك يا محمد، آيات واضحات دالات على نبوتك