٣- [ لو كانوا يعلمون ] هذا جار على الأسلوب المعروف في فنون البلاغة، من أن العالم بالشيء إذا لم يسر على موجب علمه، قد ينزل منزلة الجاهل به، وينفى عنه العلم، كما ينفى عن الجاهلين.
٤- [ لمثوبة من عند الله ] جيء بالجملة الأسمية بدل الفعلية، للدلالة على الثبوت والاستقرار.
فائدة :
الحكمة من تعليم الملكين الناس السحر، أن السحرة كثروا فى ذلك العهد، واخترعوا فنونا غريبة من السحر، وربما زعموا أنهم أنبياء، فبعث الله تعالى الملكين ليعلما الناس وجوه السحر، حتى يتمكنوا من التمييز بينه وبين المعجزة، ويعرفوا أن الذين يدعون النبوة كذبة، إنما هم سحرة لا أنبياء مرسلون.
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا.. إلى.. إن الله بما تعملون بصير ] من آية (١٠٤) إلى نهاية آية (١١٠).
المناسبة :
لما ذكر تعالى قبائح اليهود، وما اختصوا به من ضروب السحر والشعوذة، أعقبه ببيان نوع آخر من السوء والشر، الذين يضمرونه للنبي (ص) والمسلمين، من الطعن والحقد والحسد، وتمني زوال النعمة عن المؤمنين، واتخاذهم الشريعة الغراء هدفا للطعن، والتجريح، بسبب النسخ لبعض الأحكام الشرعية.
اللغة :
[ راعنا ] من (المراعاة) وهي الإنظار والإمهال، وأصلها من الرعاية، وهي النظر في مصالح الإنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة، مشتقة من (الرعونة) وهي الحمق، ولذلك نهي عنها المؤمنون
[ انظرنا ] من النظر أو الانتظار تقول : نظرت الرجل إذا انتظرته وارتقبته أي انتظرنا وتأن بنا [ يود ] يتمنى ويحب
[ ننسخ ] النسخ في اللغة : الإبطال والإزالة يقال : نسخت الشمس الظل أي أزالته، وفي الشرع : رفع حكم شرعي وتبديله بحكم آخر
[ ننسها ] من أنسى الشيء جعله منسيا فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب
[ ولي ] الولي : من يتولى أمور الإنسان ومصالحه
[ نصير ] النصير : المعين مأخوذ من قولهم نصره إذا أعانه
[ أم ] بمعنى بل وهي تفيد الانتقال من جملة إلى جملة أخرى، كقوله تعالى :[ أم يقولون افتراه ] أي بل يقولون
[ يتبدل ] يقال : بدل وتبدل واستبدل أي جعل شيئا موضع آخر، وتبدل الكفر بالإيمان، معناه : أخذ الكفر بدل الإيمان
[ سواء السبيل ] أي وسط الطريق، والسواء من كل شيء : الوسط، والسبيل معناه الطريق
[ فاعفوا ] العفو : ترك المؤاخذة على الذنب
[ واصفحوا ] والصفح : ترك التأنيب عنه.
سبب النزول :
روي أن اليهود قالوا : ألا تعجبون لأمر محمد ؟! يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، فما هذا القرآن إلا كلام محمد، يقوله من تلقاء نفسه، يناقض بعضه بعضا فنزلت الآية [ ما ننسخ من آية ].
التفسير :
[ يا أيها الذين آمنوا ] هذا نداء من الله جل شأنه للمؤمنين يخاطبهم فيه فيقول :
[ لا تقولوا راعنا ] أي راقبنا وأمهلنا حتى نتمكن من حفظ ما تلقيه علينا
[ وقولوا انظرنا ] أي انتظرنا وارتقبنا
[ واسمعوا ] أي أطيعوا أوامر الله، ولا تكونوا كاليهود حيث قالوا : سمعنا وعصينا
[ وللكافرين عذاب أليم ] أي ولليهود الذين نالوا من الرسول وسبوه، عذاب فظيع موجع
[ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ] أي ما يحب الكافرين من (اليهود والنصارى)، ولا المشركون الوثنيون أن ينزل عليكم شيء من الخير، بغضا فيكم وحسدا لكم
[ والله يختص برحمته من يشاء ] أي يختص بالنبوة والوحي، والفضل والإحسان من شاء من عباده
[ والله ذو الفضل العظيم ] أي والله جواد كريم، واسع الفضل والإحسان، ثم قال تعالى ردا على اليهود حين طعنوا فى القرآن بسبب النسخ
[ ما ننسخ من آية أو ننسها ] أي ما نبدل حكم آية فنغيره بآخر، أو ننسها يا محمد أي نمحها من قلبك


الصفحة التالية
Icon