الثالثة : كانت اليهود تستعمل كلمة [ راعنا ] يعنون بها المسبة والشتيمة، وروي أن " سعد بن معاذ " سمعها منهم فقال : يا أعداء الله، عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله (ص) لأضربن عنقه فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فنزلت هذه الآية [ لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ].
قال الله تعالى :[ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.. إلى.. إن الله واسع عليم ] من آية (١١١) إلى نهاية آية (١١٥).
المناسبة :
في هذه الآيات الكريمة بيان آخر لأباطيل أهل الكتاب، حيث ادعى كل من الفريقين (اليهود والنصارى)، أن الجنة خاصة بهم، وطعن في دين الآخر، فاليهود يعتقدون بكفر النصارى وضلالهم، ويكفرون بعيسى وبالإنجيل، والنصارى يعتقدون بكفر اليهود لعدم إيمانهم بالمسيح، حتى صار كل فريق يطعن في دين الآخر، ويزعم أن الجنة وقف عليه، فأكذب الله الفريقين، وبين أن الجنة إنما يفوز بها المؤمن التقي الذي عمل الصالحات.
اللغة :
[ هودا ] أي يهودا جمع هائد، والهائد : التائب الراجع مشتق من هاد إذا تاب [ إنا هدنا إليك ]، [ أمانيهم ] جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان ويشتهيه،
[ برهانكم ] البرهان : الدليل والحجة الموصلان إلى اليقين،
[ أسلم ] استسلم وخضع،
[ خرابها ] الخراب : الهدم والتدمير وهو حسي كتخريب بيوت الله، ومعنوي كتعطيل إقامة الشعائر فيها،
[ خزي ] هوان وذلة،
[ ثم ] بفتح الثاء أي " هناك " ظرف للمكان،
[ وجه الله ] الوجه : الجهة والمراد بوجه الله هنا : الجهة التي ارتضاها وأمر بالتوجه إليها.
سبب النزول :
عن ابن عباس قال : لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله (ص) أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله (ص) فقال رافع بن حرملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله [ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ] الآية.
التفسير :
[ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ] أي قال اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقال النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا
[ تلك أمانيهم ] أي تلك خيالاتهم وأحلامهم
[ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ] أي قل لهم يا محمد : ائتوني بالحجة الساطعة على ما تزعمون إن كنتم صادقين في دعواكم
[ بلى من أسلم وجهه لله ] أي بلى يدخل الجنة، من استسلم وخضع وأخلص نفسه لله
[ وهو محسن ] أي وهو مؤمن مصدق متبع لرسول الله (ص)
[ فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] أي فله ثواب عمله ولا خوف عليهم في الآخرة ولا يعتريهم حزن أو كدر بل هم في نعيم مقيم
[ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ] أي كفر اليهود بعيسى وقالوا : ليس النصارى على دين صحيح معتد به فدينهم باطل
[ وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ] أي وقال النصارى في اليهود مثل ذلك، ليس اليهود على دين صحيح، ودينهم باطل
[ وهم يتلون الكتاب ] أي والحال أن اليهود يقرأون التوراة، والنصارى يقرأون الإنجيل فقد كفروا عن علم
[ كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم ] أي كذلك قال مشركو العرب مثل قول أهل الكتاب قالوا : ليس محمد على شيء
[ فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ] أي يحكم بين اليهود والنصارى وسائر الخلائق، ويفصل بينهم بقضائه العادل، فيما اختلفوا فيه من أمر الدين
[ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ] الكلام خرج مخرج المبالغة في التهديد والزجر، استنكاراً لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك أي لا أحد أظلم ممن منع الناس من عبادة الله في بيوت الله.
[ وسعى فى خرابها ] أى وعمل لخرابها بالهدم كما فعل الرومان ببيت المقدس، أو بتعطيلها من العبادة كما فعل كفار قريش


الصفحة التالية
Icon