٥- [ ولئن اتبعت أهواءهم ] هذا من باب التهييج والإلهاب، وإلا فأنى يتصور اتباعه (ص) لملتهم الباطلة ؟.
تنبيه :
قال القرطبي :[ بديع السموات والأرض ] أي منشئها وموجدها ومبدعها ومخترعها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه، قيل له مبدع، ومنه أصحاب البدع، وسميت البدعة (بدعة) لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام، وفي البخاري " نعمت البدعة هذه " يعني قيام رمضان.. ثم قال : وكل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو أن يكون لها أصل فى الشرع أو لا ؟ فإن كان لها أصل فهي في حيز المدح، ويعضده قول عمر " نعمت البدعة هذه " وإلا فهي في حيز الذم والإنكار، وقد بين هذا الحديث الشريف " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها.. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها.. ".
قال الله تعالى :[ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن.. إلى.. إنك أنت العزيز الحكيم ] من آية (١٢٤) إلى نهاية آية (١٢٩).
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى نعمه على بني إسرائيل، وكيف كانوا يقابلون النعم بالكفر والعناد، وصل حديثهم بقصة (إبراهيم) أبي الأنبياء، الذي يزعم اليهود والنصارى انتماءهم إليه، ولو كانوا صادقين لوجب عليهم اتباع هذا النبي الكريم محمد (ص) ودخولهم في دينه القويم، لأنه من ولد إسماعيل عليه السلام، فكان أولى بالاتباع والتمسك بشريعته الحنيفية السمحة، التي هي شريعة الخليل عليه السلام.
اللغة :
[ ابتلى ] امتحن والابتلاء : الاختبار
[ فأتمهن ] أتى بهن على وجه التمام والكمال
[ إماما ] الإمام : القدوة الذي يؤتم به في الأقوال والأفعال
[ مثابة ] مرجعاً من ثاب يثوب إذا رجع، أي إنهم يأتون ويترددون إليه لا يقضون منه وطرهم، قال الشاعر :
جعل البيت مثابا لهم ليس منه الدهر يقضون الوطر.
[ وأمنا ] الأمن : السلامة من الخوف والطمأنينة في النفس والأهل
[ وعهدنا ] أمرنا وأوحينا
[ للطائفين ] جمع طائف من الطواف وهو الدوران حول الشيء
[ والعاكفين ] جمع عاكف من العكوف وهو الإقامة على الشيء والملازمة له، والمراد المقيمون في الحرم بقصد العبادة
[ فأمتعه ] من التمتيع وهو إعطاء الإنسان ما ينتفع به كقوله :[ قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ]
[ القواعد ] جمع قاعدة وهي الأساس
[ مناسكنا ] جمع منسك وهي العبادة والطاعة
[ الحكمة ] العلم النافع المصحوب بالعمل، والمراد بها السنة النبوية المطهرة
[ ويزكيهم ] من التزكية وهي في الأصل التنمية يقال : زكى الزرع إذا نما ثم استعملت في معنى الطهارة النفسية قال تعالى :[ قد أفلح من زكاها ].
التفسير :
[ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ] أي اذكر يا محمد حين اختبر الله عبده إبراهيم الخليل، وكلفه بجملة من التكاليف الشرعية " أوامر ونواه " فقام بهن خير قيام
[ قال إني جاعلك للناس إماما ] أي قال له ربه : إني جاعلك يا إبراهيم قدوة للناس، ومنارا يهتدي بك الخلق
[ قال ومن ذريتي ] أي قال إبراهيم : واجعل يا رب أيضا أئمة من ذريتي
[ قال لا ينال عهدي الظالمين ] أي لا ينال هذا الفضل العظيم أحد من الكافرين
[ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ] أي واذكر حين جعلنا الكعبة المعظمة مرجعا للناس، يقبلون عليه من كل بلد وقطر
[ وأمنا ] أي مكان أمن، يأمن من لجأ إليه، وذلك لما أودع الله في قلوب العرب من تعظيمه وإجلاله
[ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ] أي وقلنا للناس : اتخذوا من المقام – وهو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم لبناء الكعبة – مصلى أي صلوا عنده
[ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ] أي أوصينا وأمرنا إبراهيم وولده إسماعيل


الصفحة التالية
Icon