[ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ] أي لا نعبد إلا إلها واحدا هو [ الله ] رب العالمين، إله آبائك وأجدادك السابقين
[ ونحن له مسلمون ] أي نحن له وحده مطيعون خاضعون، والغرض تحقيق البراءة من الشرك، قال تعالى مشيرا إلى تلك الذرية الطيبة
[ تلك أمة قد خلت ] الإشارة إلى إبراهيم عليه السلام وبنيه أي تلك جماعة وجيل قد سلف ومضى
[ لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ] أي لها ثواب ما كسبت ولكم ثواب ما كسبتم
[ ولا تسألون عما كانوا يعملون ] أي لا تسألون يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا، بل كل نفس تتحمل وحدها تبعة ما اكتسبت من سوء.
البلاغة :
١- [ ومن يرغب ] استفهام يراد به الإنكار والتقريع، وقع فيه معنى النفي أي لا يرغب عن ملة إبراهيم إلا السفيه الأحمق، والجملة واردة مورد التوبيخ للكافرين.
٢- التأكيد ب " إن " و " اللام " [ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ] لأنه لما كان إخباراً عن حالة مغيبة في الآخرة، احتاجت إلى تأكيد، بخلاف حال الدنيا فإنه معلوم ومشاهد.
٣- [ إذ قال له ربه أسلم ] هو من باب الالتفاف إذ السياق [ إذ قلنا ] والالتفات من محاسن البيان، والتعرض بعنوان الربوبية [ ربه ] لإظهار مزيد اللطف والاعتناء بتربيته، كما أن جواب إبراهيم جاء على هذا المنوال [ أسلمت لرب العالمين ] ولم يقل : أسلمت لك للإيذان بكمال قوة إسلامه، وللإشارة إلى أن من كان رباً للعالمين، لا يليق إلا أن يتلقى أمره بالخضوع وحسن الطاعة.
٤- قوله :[ آبائك ] شمل العم، والأب، والجد، فالجد إبراهيم، والعم إسماعيل، والأب إسحاق، وهو من باب " التغليب " وهو من المجازات المعهودة في فصيح الكلام.
فائدة :
قال أبو حيان :" كنى بالموت عن مقدماته، لأنه إذا حضر الموت نفسه لا يقول المحتضر شيئا، وفي قوله :[ حضر الموت ] كناية غريبة وهو أنه غائب ولابد أن يقدم علينا مهما طال الغياب، ولذلك يقال في الدعاء : واجعل الموت خير غائب ننتظره.
تنبيه :
[ ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ] المقصود الأمر بالثبات على الإسلام إلى حين الموت، أي فاثبتوا على الإسلام، ولا تفارقوه أبدا، واستقيموا على محجته البيضاء، حتى يدرككم الموت وأنتم على الإسلام الكامل، كقولك : لا تصل إلا وأنت خاشع.
قال الله تعالى :[ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا.. إلى.. ولا تسألون عما
كانوا يعملون ] من آية (١٣٥) إلى نهاية آية (١٤١).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أن ملة إبراهيم هي ملة الحنيفية السمحة، وأن من لم يؤمن بها ورغب
عنها، فقد بلغ الذروة العليا في الجهالة والسفاهة، ذكر تعالى ما عليه أهل
الكتاب، من الدعاوى الباطلة، من زعمهم أن الهداية في اتباع (اليهودية
والنصرانية)، وبين أن تلك الدعوى لم تكن عن دليل أو شبهة، بل هي مجرد جحود
للإسلام وعناد، ثم عقب ذلك بأن الدين الحق هو في التمسك بالإسلام، دين جميع
الأنبياء والمرسلين.
اللغة :
[ حنيفا ] الحنيف : المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق، والحنف الميل، وبه سمي
الاحنف لميل في إحدى قدميه، قال الشاعر : ولكنا خلقنا إذ خلقنا حنيفا ديننا عن
كل دين.
[ الأسباط ] جمع سبط وهم حفدة يعقوب أي ذريات أبنائه وكانوا اثنى عشر سبطا وهم في
بني إسرائيل كالقبائل في العرب
[ شقاق ] الشقاق : المخالفة والعداوة، وأصله من الشق وهو الجانب، أي صار هذا في شق
وهذا في شق.
[ فسيكفيكهم ] من الكفاية بمعنى الوقاية
[ صبغة الله ] الصبغة مأخوذة من الصبغ وهو تغيير الشيء بلون من الألوان، والمراد
بها هنا : الدين
[ أتحاجوننا ] أتجادلوننا من المحاجة وهي المجادلة
[ مخلصون ] الإخلاص أن يقصد بالعمل وجه الله وحده، من غير مباهاة ولا رياء.
التفسير :


الصفحة التالية
Icon