[ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ] أي قال اليهود : كونوا على ملتنا يهودا
تهتدوا، وقال النصارى : كونوا نصارى تهتدوا، فكل من الفريقين يدعونا إلى دينه
الباطل الأعوج
[ قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ] أي قل لهم يا محمد بل نتبع ملة
(الحنيفية السمحة)، وهي ملة إبراهيم حال كونه مائلا عن الأديان كلها إلى الدين
القيم، وما كان إبراهيم من المشركين بل كان مؤمنا موحداً، وفيه تعريض بأهل
الكتاب، وإيذان بأن ما هم عليه إنما هو شرك وضلال
[ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ] أي قولوا أيها المؤمنون آمنا بالله، وما
أنزل إلينا من القرآن العظيم
[ وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ] أي وآمنا بما أنزل إلى
إبراهيم من الصحف والأحكام التي كان الأنبياء متعبدين بها، وكذلك حفدة إبراهيم
وإسحاق وهم الأسباط حيث كانت النبوة فيهم
[ وما أوتي موسى وعيسى ] أي من التوراة والإنجيل
[ وما أوتي النبيون من ربهم ] أي ونؤمن بما أنزل على غيرهم من الأنبياء جميعا،
ونصدق بما جاءوا به من عند الله، من الآيات البينات والمعجزات الباهرات
[ لا نفرق بين أحد منهم ] أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض، كما فعلت اليهود
والنصارى
[ ونحن له مسلمون ] أي منقادون لأمر الله خاضعون لحكمه
[ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ] أي إن آمن أهل الكتاب بنفس ما آمنتم
به يا معشر المؤمنين، فقد اهتدوا إلى الحق كما اهتديتم
[ وإن تولوا فإنما هم في شقاق ] أي وإن أعرضوا عن الإيمان بما دعوتهم إليه، فاعلم
أنهم إنما يريدون عداوتك وخلافك، وليسوا من طلب الحق في شيء
[ فسيكيفيكم الله ] أي سيكفيك يا محمد ربك شره وأذاهم ويعصمك منهم
[ وهو السميع العليم ] أي هو تعالى يسمع ما ينطقون به، ويعلم ما يضمرونه في
قلوبهم من المكر والشر
[ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ] ؟ أي ما نحن عليه من الإيمان والتصديق، هو
دين الله الحق، الذي صبغنا به وفطرنا عليه، فظهر أثره علينا كما يظهر الصبغ في
الثوب، ولا أحد أحسن من الله صبغة أي دينا
[ ونحن له عابدون ] أي ونحن نعبده جل وعلا ولا نعبد أحداً سواه
[ قل أتحاجوننا في الله ] أي أتجادلوننا في شأن الله، زاعمين أنكم أبناء الله
وأحباؤه، وأن الأنبياء منكم دون غيركم ؟
[ وهو ربنا وربكم ] أي رب الجميع على السواء، وكلنا عبيده
[ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم، لا يتحمل
أحد وزر غيره
[ ونحن له مخلصون ] أي قد أخلصنا الدين والعمل لله
[ أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ] ؟
أي أم تدعون يا معشر أهل الكتاب أن هؤلاء الرسل وأحفادهم كانوا يهودا أو نصارى
[ قل أأنتم أعلم أم الله ] أي هل أنتم أعلم بديانتهم أم الله عز وجل ؟ وقد شهد
الله لهم بملة الإسلام، وبرأهم من اليهودية والنصرانية بقوله :[ ما كان إبراهيم
يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ] فكيف تزعمون أنهم على دينكم ؟
[ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ] أي لا أحد أظلم، ممن أخفى وكتم ما
اشتملت عليه آيات التوراة والإنجيل، من البشارة برسول الله ؟ وأن الأنبياء
الكرام كانوا على الإسلام
[ وما الله بغافل عما تعملون ] أي هو تعالى مطلع على أعمالهم ومجازيهم عليها،
وفيه وعيد شديد مع التهديد
[ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ] كررها
لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، أي إذا كان أولئك الأنبياء على فضلهم
وجلالة قدرهم، يجازون بكسبهم فأنتم أحرى، وقد تقدم تفسيرها.
البلاغة :
١- [ وقالوا كونوا هودا أو نصارى ] فيه إيجاز بالحذف أي قال اليهود كونوا يهوداً،


الصفحة التالية
Icon