وقال النصارى كونوا نصارى، وليس المعنى أن الفريقين قالوا ذلك، لأن كل فريق يعد
دين الآخر باطلا.
٢- [ فسيكفيكهم الله ] فيه إيجاز ظاهر أي يكفيك الله شرهم، وتصدير الفعل بالسين
دون سوف، مشعر بأن ظهوره عليهم واقع في زمن قريب.
٣- [ السميع العليم ] من صيغ المبالغة ومعناه الذين أحاط سمعه وعلمه بجميع
الأشياء.
٤- [ صبغة الله ] سمي الدين صبغة بطريق الاستعارة حيث تظهر سمته على المؤمن كما
يظهر أثر الصبغ في الثوب.
٥- [ أتجادلوننا في الله ] الاستفهام وارد على جهة التوبيخ والتقريع.
الفوائد :
الفائدة الأولى : تكرر ورود هذه الآية [ وما الله بغافل عما تعملون ] قال أبو
حيان : ولا تأتي الجملة إلا عقب ارتكاب معصية، فتجيء متضمنة وعيدا، ومعلمة أن
الله لا يترك أمرهم سدى.
الثانية : قال ابن عباس : إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة
أيام، صبغوه في ماء لهم يقال له :(المعمودي) ليطهروه بذلك، ويقولون هذا طهور
مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا، فأنزل الله هذه الآية.
الثالثة : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل
الإسلام فقال رسول الله (ص) :" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا : آمنا
بالله وما أنزل إلينا ".
قال الله تعالى :[ سيقول السفهاء من الناس.. إلى.. وما الله بغافل عما يعملون ]
من آية (١٤٢) إلى نهاية آية (١٤٤).
المناسبة :
زعم اليهود والنصارى أن قبلة الأنبياء " بيت المقدس " وقد كان (ص) وهو بمكة
يستقبل بيت المقدس، فلما أمر (ص) بالتوجه إلى الكعبة المشرفة، طعن اليهود في
رسالته، واتخذوا ذلك ذريعة للنيل من الإسلام، وقالوا : لقد اشتاق محمد إلى
مولده، وعن قريب يرجع إلى دين قومه، فأخبر الله رسوله الكريم بما سيقوله
السفهاء، ولقنه الحجة الدامغة ليرد عليهم، وكان هذا الإخبار قبل (تحويل القبلة)
" معجزة " له عليه السلام، لأنه إخبار عن أمر غيبي.
اللغة :
[ السفهاء ] جمع سفيه وهو الجاهل الرأي، القليل المعرفة بالمنافع والمضار، وأصل
السفه : الخفة والرقة، من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج
[ ولاهم ] صرفهم يقال : ولى عن الشيء وتولى عنه أي انصرف
[ وسطا ] قال الطبري : الوسط في كلام العرب : الخيار وقيل : العدل، وأصل هذا أن خير
الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان
[ عقبيه ] تثنية عقب وهو مؤخر القدم
[ كبيرة ] شاقة وثقيلة
[ شطر ] الشطر في اللغة يأتى بمعنى الجهة، كقول الشاعر :" تعدو بنا شطر نجد وهي
عائدة " ويأتي بمعنى النصف، ومنه الحديث " الطهور شطر الإيمان " أي نصف الإيمان.
سبب النزول :
عن البراء قال : لما قدم رسول الله (ص) المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا
أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله (ص) يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله
تعالى :[ قد نرى تقلب وجهك في السماء ] الآية فقال السفهاء من الناس – وهم اليهود
– ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها تعالى :[ قل لله المشرق والمغرب ] إلى آخر
الآية.
التفسير :
[ سيقول السفهاء من الناس ] أي سيقول ضعفاء العقول من الناس
[ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ] أي ما صرفهم وحولهم عن القبلة التي
كانوا يصلون إليها وهي (بيت المقدس) قبلة المرسلين من قبلهم ؟
[ قل لله المشرق والمغرب ] أي قل لهم يا محمد : الجهات كلها لله، له جل وعلا
المشرق والمغرب، فأينما ولينا وجوهنا فهناك وجه الله أي قبلته
[ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ] أي يهدي عباده المؤمنين إلى الطريق القويم،
الموصل لسعادة الدارين
[ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ] أي كما هديناكم إلى الإسلام، كذلك جعلناكم يا معشر
المؤمنين أمة عدولا خيارا