[ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ] أي لتشهدوا على الأمم يوم
القيامة أن رسلهم بلغتهم، ويشهد عليكم الرسول أنه بلغكم
[ وما جعلنا القبلة التى كنت عليها ] أي وما أمرناك بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم
صرفناك عنها إلى الكعبة المشرفة
[ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ] أي إلا لنختبر إيمان الناس،
فنعلم من يصدق الرسول، ممن يشكك في الدين، ويرجع إلى الكفر لضعف يقينه
[ وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ] أي وإن كان هذا التحويل لشاقاً
وصعباً إلا على الذين هداهم الله
[ وما كان الله ليضيع إيمانكم ] أي ما صح ولا استقام في شرع الله، أن يضيع الله
صلاتكم إلى بيت المقدس، بل يثيبكم عليها، وذلك حين سألوه (ص) عمن مات وهو يصلي
إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فنزلت، وقوله تعالى :
[ إن الله بالناس لرءوف رحيم ] تعليل للحكم أي إنه تعالى عظيم الرحمة بعباده، لا
يضيع أعمالهم الصالحة التي فعلوها
[ قد نرى تقلب وجهك في السماء ] أي كثيرا ما رأينا تردد بصرك يا محمد جهة السماء،
تشوقاً لتحويل القبلة
[ فول وجهك شطر المسجد الحرام ] أي توجه في صلاتك نحو الكعبة المعظمة
[ وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ] أي وحيثما كنتم أيها المؤمنون، فتوجهوا في
صلاتكم نحو الكعبة أيضا
[ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ] أي إن اليهود والنصارى،
ليعلمون أن هذا التحويل للقبلة حق من عند الله، ولكنهم يفتنون الناس بإلقاء
الشبهات
[ وما الله بغافل عما يعملون ] أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها،
وفيه وعيد وتهديد لهم بليغ.
البلاغة :
١- في قوله :[ ينقلب على عقبيه ] استعارة تمثيلية حيث مثل لمن يرتد عن دينه، بمن
ينقلب على عقبيه، كأنه يرجع إلى الخلف، وينتكس فى دينه كما انتكس في مشيه.
٢- [ لرءوف رحيم ] الرأفة : شدة الرحمة، وقدم الأبلغ مراعاة للفاصلة وهي الميمم
في قوله :[ صراط مستقيم ] وقوله :[ رءوف رحيم ] وكلاهما من صيغ المبالغة.
٣- [ فول وجهك ] أطلق الوجه وأراد به الذات كقوله :[ ويبقى وجه ربك ] وهذا النوع
يسمى " المجاز المرسل " من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، ومثله قولهم : هذا ما
جنته يدك، أي ما فعلته بنفسك.
الفوائد :
الأولى : أخرج البخارى في صحيحه أن رسول الله (ص) قال :" يدعى نوح عليه السلام
يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم فيقال لأمته :
هل بلغكم ؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته
فيشهدون أنه قد بلغ، فذلك قوله عز وجل [ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا ].
الثانية : سمى الله تعالى الصلاة " إيمانا " في قوله :[ وما كان الله ليضيع
إيمانكم ] أي صلاتكم لأن الإيمان لا يتم إلا بها، ولأنها تشتمل على نية وقول
وعمل ((روي عن البراء بن عازب أنه قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس،
فقال الناس : كيف بإخواننا الذين صلوا إلى غير الكعبة ؟ فأنزل الله الآية، أخرجه
الترمذي )).
الثالثة : في التعبير عن الكعبة (بالمسجد الحرام) إشارة إلى أن الواجب مراعاة
الجهة دون العين، لأن في إصابة (عين الكعبة) من البعيد حرجاً عظيما على الناس.
قال الله تعالى :[ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك.. إلى..
ولعلكم تهتدون ] من آية (١٤٥) إلى نهاية آية (١٥٠).
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما قاله السفهاء من اليهود، عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى
الكعبة المعظمة، وأمر رسوله بأن يتوجه في صلاته نحو البيت العتيق، ذكر فى هذه
الآيات أن أهل الكتاب، قد انتهوا في العناد والمكابرة، إلى درجة اليأس من