إسلامهم، فإنهم ما تركوا قبلتك لشبهة عارضة تزيلها الحجة، وإنما خالفوك عناداً
واستكباراً، وفي ذلك تسلية له (ص) لئلا يحزن ويتأثر بجحود وتكذيب أهل الكتاب!!.
اللغة :
[ آية ] الآية : الحجة والعلامة
[ أهواءهم ] جمع هوى مقصور، وهوى النفس : ما تحبه وتميل إليه
[ الممترين ] الامتراء : الشك، امترى في الشيء : شك فيه، ومنه المراء والمرية،
كقوله سبحانه :[ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ] أي شك
[ وجهة ] قال الفراء : وجهه وجهة ووجه بمعنى واحد، والمراد بها القبلة
[ هو موليها ] أي هو موليها وجهه، فاستغنى عن ذكر الوجه قال الفراء : أي مستقبلها
[ فاستبقوا ] أي بادروا وسارعوا
[ الخيرات ] الأعمال الصالحة جمع خير
[ تخشوهم ] تخافوهم والخشية : الخوف.
التفسير :
[ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ] أي والله لئن جئت يا
أيها الرسول اليهود والنصارى، بكل معجزة تدل على صدقك، في أمر القبلة ما اتبعوك
ولا صلوا إلى قبلتك
[ وما أنت بتابع قبلتهم ] أي ولست أنت بمتبع قبلتهم، بعد أن حولك الله عنها،
وهذا لقطع أطماعهم الفارغة، حيث قالت اليهود : لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن
تكون صاحبنا الذى ننتظره، تغريرا له عليه السلام
[ وما بعضهم بتابع قبلة بعض ] أي أن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود، كما أن
اليهود لا يتبعون قبلة النصارى، لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد، مع أن
الكل من بني إسرائيل
[ ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ] أي ولئن فرض وقدر أنك سايرتهم
على أهوائهم، واتبعت ما يهوونه ويحبونه، بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريق
الوحي
[ إنك إذا لم الظالمين ] أي تكون ممن ارتكب أفحش الظلم والعدوان، والكلام وأراد
على سبيل الفرض والتقدير، وإلا فحاشاه (ص) من اتباع أهواء الكفرة المجرمين، وهو
من باب التهييج للثبات على الحق.
[ الذين آتيناهم الكتاب ] أي اليهود والنصارى
[ يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ] أي يعرفون محمداً معرفة لا امتراء فيها، كما يعرف
الواحد منهم ولده، معرفة يقين
[ وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ] أي وإن جماعة منهم – وهم رؤساؤهم
وأحبارهم – ليخفون الحق ولا يعلنونه، ويخفون صفة النبي مع أنه منعوت لديهم
بأظهر النعوت كما قال تعالى :[ الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل ]
فهم يكتمون أوصافه عن علم وعرفان
[ الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ] أي ما أوحاه الله إليك يا محمد من أمر
القبلة والدين هو الحق، فلا تكونن من الشاكين، والخطاب للرسول والمراد أمته
[ ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ] أي لكل أمة من الأمم قبلة هو موليها
وجهه أي مائل إليها بوجهه، فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إلى فعل الخيرات
[ أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ] أي في أي موضع تكونون من أعماق الأرض، أو
قلل الجبال، يجمعكم الله للحساب والجزاء، فيفصل بين المحق والمبطل
[ إن الله على كل شيء قدير ] أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسامكم
وأبدانكم
[ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ] أي من أي مكان خرجت إليه للسفر،
فتوجه بوجهك في صلاتك جهة الكعبة
[ وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ] تقدم تفسيره، وكرره لبيان تساوي
حكم السفر والحضر
[ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ] هذا
أمر ثالث باستقبال الكعبة المشرفة، وفائدة هذا التكرار أن القبلة كان أول ما
نسخ من الأحكام الشرعية، فدعت الحاجة إلى التكرار، لأجل التأكيد والتقرير
وإزالة الشبهة، قال تعالى :
[ لئلا يكون للناس عليكم حجة ] أي عرفكم أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود