فيقولوا : يجحد محمد ديننا ويتبع قبلتنا!! فتكون لهم حجة عليكم، أو كقول
المشركين : يدعي محمد ملة إبراهيم ويخالف قبلته
[ إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ] أي إلا الظلمة المعاندين الذين لا
يقبلون أي تعليل فلا تخافوهم وخافوني
[ ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ] أي أتم فضلي عليكم بالهداية إلى الإسلام،
قبلة أبيكم إبراهيم عليه السلام والتوفيق لسعادة الدارين.
البلاغة :
١- وضع اسم الموصول موضوع الضمير في قوله :[ أوتوا الكتاب ] للإيذان بكمال سوء
حالهم من العناد.
٢- [ ولئن اتبعت أهواءهم ] هذا من باب التهييج والإلهاب للثبات على الحق.
٣- [ وما أنت بتابع قبلتهم ] هذه الجملة أبلغ في النفي من قوله :[ ما تبعوا قبلتك ]
لأنها جملة اسمية أولا، ولتأكيد نفيها بالباء ثانيا، والتأكيد دال على أهمية
الأمر، وعظم الخطب.
٤- [ كما يعرفون أبناءهم ] فيه تشبيه " مرسل مفصل " أي يعرفون محمدا معرفة واضحة
كمعرفة أبناءهم الذين من أصلابهم.
الفوائد :
الأولى : روى أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا كما تعرف
ولدك ؟ قال وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته، ولست
أشك فيه أنه نبي، وأما ولدي فلا أدري ما كان من أمه ؟ فلعلها خانت، فقبل عمر
رأسه.
الثانية : توجه الوعيد على العلماء، أشد من توجهه على غيرهم، ولهذا زاد الله في
ذم أهل الكتاب بقوله :[ وهم يعلمون ] فإنه ليس المرتكب ذنبا عن جهل كمن يرتكبه عن
علم.
الثالثة : تكرر الأمر باستقبال الكعبة ثلاث مرات، قال القرطبي : والحكمة في هذا
التكرار أن الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو ببقية الأمصار، والثالث لمن خرج
في الأسفار.
قال الله تعالى :[ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم.. إلى.. وأولئك هم المهتدون ] من
آية (١٥١) إلى نهاية آية (١٥٧).
المناسبة :
بدأت الآيات الكريمة بمخاطبة المؤمنين، وتذكيرهم بنعمة الله العظمى عليهم،
ببعثة خاتم المرسلين (ص)، بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن بني إسرائيل، وذكرت
بالتفصيل نعم الله عليهم التي قابلوها بالجحود والكفران فيما يزيد على ثلث
السورة الكريمة، وقد عدد القرآن الكريم جرائمهم، ليعتبر ويتعظ بها المؤمنون،
ولما انتهى الحديث عن اليهود بعد ذلك البيان الواضح، جاء دور التذكير للمؤمنين
بالنعم الجليلة، والتشريعات الحكيمة التي بها سعادتهم في الدارين.
اللغة :
[ الكتاب ] القرآن العظيم
[ الحكمة ] السنة النبوية
[ فاذكروني ] أصل الذكر التنبيه بالقلب للمذكور، وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه
علامة على الذكر القلبي
[ ولنبلونكم ] أصل البلاء المحنة، ثم قد يكون بالخير أو بالشر [ ونبلوكم بالشر
والخير فتنة ]
[ مصيبة ] المصيبة : كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده
[ صلوات ] الأصل في الصلاة الدعاء، وهي من الله بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى
الاستغفار.
التفسير :
[ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ] الكلام يتعلق بما سبق في قوله :[ ولأتم نعمتي ]
والمعنى كما أتممت عليكم نعمتي، كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم
[ يتلوا عليكم آياتنا ] أي يقرأ عليكم القرآن
[ ويزكيكم ] أي يطهركم من الشرك وقبيح الفعال
[ ويعلمكم الكتاب والحكمة ] أي يعلمكم أحكام الكتاب المجيد، والسنة النبوية
المطهرة
[ ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ] أي يعلمكم من أمور الدنيا والدين الشيء الكثير،
الذي لم تكونوا تعلمونه
[ فاذكروني أذكركم ] أي اذكروني بالعبادة والطاعة، أذكركم بالثواب والمغفرة
[ واشكروا لي ولا تكفرون ] أي اشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان،
روي أن موسى عليه السلام قال : يا رب كيف أشكرك ؟ قال له ربه :" تذكرني ولا