تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتنى فقد كفرتني " ثم نادى تبارك وتعالى
عباده المؤمنين بلفظ الإيمان، ليستنهض هممهم إلى امتثال الأوامر الإلهية، وهو
النداء الثاني الذي جاء في هذه السورة الكريمة فقال :
[ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ] أي استعينوا على أمور دنياكم
وآخرتكم، بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنتهون عن كل
رذيلة
[ إن الله مع الصابرين ] أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد
[ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ] أي لا تقولوا للشهداء إنهم أموات
[ بل أحياء ولكن لا تشعرون ] أي بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن لا تشعرون
بذلك، لأنهم في حياة برزخية أسمى من هذه الحياة
[ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ] أي
ولنختبرنكم بشيء يسير من ألوان البلاء، مثل : الخوف، والجوع، وذهاب بعض الأموال،
وموت بعض الأحباب، وضياع بعض الزروع والثمار
[ وبشر الصابرين ] أي بشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم.. ثم بين
تعالى تعريف الصابرين بقوله :
[ الذين إذا أصابتهم مصيبة ] أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه
[ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ] أي استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد لله، يفعل بهم
ما يشاء
[ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ] أي أولئك الموصوفون بما
ذكر لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إلى طريق السعادة والفلاح!!
البلاغة :
١- بين كلمتي [ أرسلنا ] و[ رسولا ] جناس الاشتقاق وهو من المحسنات البديعية.
٢- قوله :[ ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ] بعد قوله :[ ويعلمكم الكتاب والحكمة ] هو
من باب ذكر العام بعد الخاص لإفادة الشمول، ويسمى هذا في البلاغة بـ " الإطناب ".
٣- [ أموات بل أحياء ] فيه إيجاز بالحذف أي لا تقولوا هم أموات بل هم أحياء
(وبينهما طباق).
٤- التنكير في قوله :[ بشيء من الخوف ] للتقليل أي بشيء قليل للاختبار.
٥- [ صلوات من ربهم ورحمة ] التنوين فيهما للتفخيم، والتعرض بعنوان الربوبية مع
الإضافة إلى ضميرهم [ ربهم ] لإظهار مزيد العناية بهم.
٦- [ هم المهتدون ] صيغة قصر وهو من نوع قصر الصفة على الموصوف.
الفوائد :
الأولى : روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :" ما أصابتني مصيبة إلا
وجدت فيها ثلاث نعم :
- الأولى : أنها لم تكن في ديني،
- الثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت،
- الثالثة : أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير ثم تلا قوله تعالى :[ أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ].
الثانية : قال (ص) :" إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد
عبدي ؟ فيقولون : نعم، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم، فيقول : فماذا قال
عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة
وسموه بيت الحمد ".
قال الله تعالى :[ إن الصفا والمروة من شعائر الله.. إلى.. ولا هم ينظرون ] من
آية (١٥٨) إلى نهاية آية (١٦٢).
المناسبة :
لما أمر تعالى بذكره وشكره ودعا المؤمنين إلى الاستعانة بالصبر، والصلاة، أعقب
ذلك ببيان أهمية (الحج) وأنه من شعائر دين الله، ثم نبه تعالى على وجوب نشر
العلم وعدم كتمانه، وذكر خطر كتمان ما أنزل الله من البيانات والهدى، كما فعل
اليهود والنصارى في كتبهم، فاستحقوا اللعنة والغضب والدمار.
اللغة :
[ شعائر الله ] جمع شعيرة وهي فى اللغة : العلامة، ومنه الشعار، وأشعر الهدي جعل
له علامة ليعرف بها، والشعائر : كل ما تعبدنا الله به من أمور الدين، كالطواف،
والسعي، والأذان، ونحوه.
[ حج ] الحج في اللغة : القصد، وفي الشرع : قصد البيت العتيق لأداء المناسك من
الطواف والسعي