فلا يزال القران الكريم بحرا زاخرا بانواع العلوم والمعارف، يحتاج من يرغب الحصول على لآلئه ودرره، ان يغوص في اعماقه، ولايزال القران يتحدى اساطين البلغاء، ومصاقيع العلماء، بانه الكتاب المعجز، المنزل على النبي الامي شاهدا بصدقه، يحمل بين دفتيه برهان كماله، واية اعجازه، ودليل انه تنزيل الحكيم العليم :( نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين )
و على كثرة ما كتب العلماء والفوا - وعلى كثرة ما تحويه المكتبة الاسلامية من اسفار ضخمة، وكتب نفيسة، خدم بها العلماء كتاب الله الجليل- يبقى القران زاخرا بالعجائب، مملوءا بالدرر والجواهر، بما يبهر العقول ويحير الالباب، بما فيه من الاشراقات الالهية، والفيوضات القدسية، والنفحات النورانية، بما هو كفيل لتخليص الانسانية، من شقاء الحياة وجحيمها المستعر... وكل علم شاط واحترق الا " علم التفسير " فانه لا يزال بحرا لجيا، يحتاج الى من يغوص في اعماقه، لاستخراج كنوزه الثمينة، واستنباط روائعه واسراره، ولا يزال العلماء يقفون عند ساحله، يرتشفون من معينه الصافي ولا يرتوون... ومن ذا الذي يستطيع ان يحيط علما بكلام رب العزة جل وعلا، وان يدرك اسراره، ودقائقه، واعجازه ! وان يزعم انه اوفى او وصل الى درجة الكمال !!
انه الكتاب المعجز، الذي سيظل يمنح الانسانية، من علومه ومعارفه، ومن اسراره وحكمه، ما يزيدهم ايمانا واذعانا بانه " المعجزة الخالدة " للنبي العربي الامي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وانه تنزيل الحكيم الحميد.

واذا كان المسلم قد اضطرته الدنيا ليشغل وقته في تحصيل معاشه، وضاقت ايامه عن الرجوع الى التفاسير الكبيرة، التي خدم بها اسلافنا -رضوان الله عليهم- كتاب الله تعالى، تبيانا وتفصيلا لاياته، واظهارا لبلاغته، وايضاحا لاعجازه، وابرازا لما حواه الكتاب المجيد من تشريع وتهذيب، واحكام واخلاق، وتربية وتوجيه فان من واجب العلماء اليوم ان يبذلوا جهدهم لتيسير فهمه على الناس، باسلوب واضح، وبيان ناصع، لاحشو فيه ولا تطويل، ولا تعقيد ولا تكلف، وان يبرزوا ما في القران من روعة الاعجاز والبيان، بما يتفق وروح العصر الحديث، ويلبي حاجة الشباب المثقف، المتعطش الى التزود من علوم ومعارف القران الكريم.
ولم اجد تفسيرا لكتاب الله عز وجل -على ما وصفت- رغم الحاجة اليه، وسؤال الناس عنه، ورغبتهم فيه، فعزمت على القيام بهذا العمل، رغم ما فيه من مشقة وتعب، واحتياجه لوقت لا يتاح في هذا الزمان، مستعينا بالله الكريم، متوكلا عليه، سائلا اياه ان يعينني على اتمام هذا الواجب، وان يوفقني لاخراجه بشكل يليق بكتاب الله تعالى، يعين المسلم على فهم ايات القران، والتزود من بيانه، ما يزيده ايمانا ويقينا، ويدفعه الى العمل الجاد الموفق الى مرضاة الرب جل وعلا.
و قد اسميت كتابي " صفوة التفاسير " وذلك لانه جامع لعيون ما في التفاسير الكبيرة المفصلة، مع الاختصار والترتيب، والوضوح والبيان، وكلي امل ان يكون اسمه مطابقا لمسماه، وان تستفيد منه الامة الاسلامية، بما يوضح لها السبيل الاقوم، والصراط المستقيم.
و قد سلكت في طريقي لتفسير الكتاب العزيز الاسلوب الاتي :
اولا : بين يدي السورة، وهو بيان اجمالي للسورة الكريمة وتوضيح مقاصدها الاساسية.
ثانيا : المناسبة بين الايات السابقة والايات اللاحقة.
ثالثا : اللغة مع بيان الاشتقاق اللغوي والشواهد العربية.
رابعا : سبب النزول.
خامسا : التفسير.
سادسا : البلاغة.
سابعا : الفوائد واللطائف.


الصفحة التالية
Icon