وجه الماء، وهي موقرة بالأثقال
[ بما ينفع الناس ] أي بما فيه مصالح الناس من أنواع المتاجر والبضائع
[ وما أنزل الله من السماء من ماء ] أي وما أنزل الله من السحاب من المطر الذي به
حياة البلاد والعباد
[ فأحيا به الأرض بعد موتها ] أي أحيا بهذا الماء الزروع والأشجار، بعد أن كانت
يابسة مجدبة ليس فيها حبوب ولا ثمار
[ وبث فيها من كل دابة ] أي نشر وفرق في الأرض، من كل ما يدب عليها من أنواع
الدواب، المختلفة في أحجامها وأشكالها وألوانها وأصواتها
[ وتصريف الرياح ] أي تقليب الرياح في هبوبها جنوبا وشمالا، حارة وباردة، ولينة
وعاصفة
[ والسحاب المسخر بين السماء والأرض ] أي السحاب المذلل بقدرة الله، يسير حيث شاء
الله، وهو يحمل الماء الغزير، ثم يصبه على الأرض قطرات قطرات، قال كعب الأحبار :
السحاب غربال المطر، ولولا السحاب لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض
[ لآيات لقوم يعقلون ] أي لدلائل وبراهين عظيمة دالة على القدرة القاهرة، والحكمة
الباهرة، والرحمة الواسعة، لقوم لهم عقول تعي، وأبصار تدرك، وتتدبر، بأن هذه
الأمور من صنع إله قادر حكيم.. ثم أخبر تعالى عن سوء عاقبة المشركين الذين
عبدوا غير الله فقال
[ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ] أي ومن الناس من تبلغ بهم الجهالة، أن
يتخذ من غير الله رؤساء وأصناماً، يجعلها أشباها ونظراء مع الله، كأنها تخلف
وترزق، وهي حجارة صماء بكماء
[ يحبونهم كحب الله ] أي يعظمونهم ويخضعون لهم كحب المؤمنين لله
[ والذين آمنوا أشد حبا لله ] أي حب المؤمنين لله أشد من حب المشركين للأنداد
[ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ] أي لو رأى الظالمون
حين يشاهدون العذاب، المعد لهم يوم القيامة، أن القدرة كلها لله وحده
[ وأن الله شديد العذاب ] أي وأن عذاب الله شديد أليم، وجواب " لو " محذوف للتهويل
أي لرأوا ما لا يوصف من الهول والفظاعة
[ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ] أي تبرأ الرؤساء من الأتباع
[ ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ] أي حين عاينوا العذاب وتقطعت بينهم الروابط
وزالت المودات
[ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم ] أي تمنى الأتباع لو أن لهم رجعة
إلى الدنيا، ليتبرءوا من هؤلاء الذين أضلوهم السبيل
[ كما تبرءوا منا ] أي كما تبرأ الرؤساء من الأتباع في ذلك اليوم العصيب.. قال
تعالى :
[ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ] أي أنه تعالى كما أراهم شدة عذابه كذلك
يريهم أعمالهم القبيحة ندامات شديدة، وحسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم
[ وما هم بخارجين من النار ] أي ليس لهم سبيل إلى الخروج من النار، بل هم في عذاب
سرمدي، وشقاء أبدي.
البلاغة :
١- [ وإلهكم إله واحد ] ورد الخبر خاليا من التأكيد، مع أن من الناس من ينكر
وحدانية الله، تنزيلا للمنكر منزلة غير المنكر، وذلك لأن بين أيديهم من
البراهين الساطعة، والحجج القاطعة، ما لو تأملوه لوجدوا فيه غاية الإقناع.
٢- [ لآيات ] التنكير في آيات للتفخيم أي آيات عظيمة دالة على قدرة قاهرة وحكمة
باهرة.
٣- [ كحب الله ] فيه تشبيه (مرسل مجمل حيث ذكرت الأداة وحذف وجه الشبه.
٤- [ أشد حبا لله ] التصريح بالأشدية أبلغ من أن يقال " أحب الله " كقوله [ فهي
كالحجارة أو أشد قسوة ] مع صحة أن يقال : أو أقسى.
٥- [ ولو يرى الذين ظلموا ] وضع الظاهر موضع الضمير [ ولو يرون ] لإحضار الصورة في
ذهن السامع، وتسجيل السبب فى العذاب الشديد، وهو الظلم الفادح.
٦- في قوله :[ رأوا العذاب ] و[ تقطعت بهم الأسباب ] من علم البديع ما يسمى بـ
(الترصيع) وهو أن يكون الكلام مسجوعا، من غير تكلف ولا تعسف.