[ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ] أي أخذوا الضلالة بدل الهدى والكفر بدل
الإيمان
[ والعذاب بالمغفرة ] أي واستبدلوا الجحيم بالجنة
[ فما أصبرهم على النار ] أي ما أشد صبرهم على نار جهنم ؟ وهو تعجيب للمؤمنين من
جراءة أولئك الكفار، على اقتراف أنواع المعاصي، ثم قال تعالى مبينا سبب النكال
والعذاب
[ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ] أي ذلك العذاب الأليم بسبب أن الله أنزل كتابه
التوراة ببيان الحق فكتموا وحرفوا ما فيه
[ وإن الذين اختلفوا في الكتاب ] أي اختلفوا في تأويله وتحريفه
[ لفي شقاق بعيد ] أي في خلاف بعيد عن الحق والصواب، مستوجب لأشد العذاب.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية فى رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف،
وحيي بن أخطب كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما بعث محمد عليه السلام
خافوا انقطاع تلك المنافع فكتموا أمر محمد (ص) والبشارة به، في سبيل حطام
الدنيا، فنزلت [ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب.. ] الآية.
البلاغة :
١- [ خطوات الشيطان ] استعارة عن الاقتداء به واتباع آثاره قال في تلخيص البيان :
وهي أبلغ عبارة عن التحذير من طاعته فيما يأمر به وقبول قوله فيما يدعو إلي
فعله.
٢- [ السوء والفحشاء ] هو من باب " عطف الخاص على العام " لأن السوء يتناول جميع
المعاصي، والفحشاء أقبح وأفحش المعاصي، خصت بالذكر لخطرها.
٣- [ ومثل الذين كفروا ] فيه تشبيه (مرسل ومجمل) مرسل لذكر الأداة ومجمل لحذف وجه
الشبه، فقد شبه الكفار بالبهائم التى تسمع صوت المنادي دون أن تفقه كلامه وتعرف
مراده.
٤- [ صم بكم عمي ] حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فهو " تشبيه بليغ " أي هم كالصم في عدم سماع الحق، وكالعمي في عدم رؤية الهدى، وكالبكم في عدم الانتفاع بنور
القرآن.
٥- [ ما يأكلون في بطونهم إلا النار ] مجاز مرسل باعتبار ما يؤول إليه إنما
يأكلون المال الحرام الذي يفضي بهم إلى النار وقوله :[ في بطونهم ] زيادة تشنيع
وتقبيح لحالهم، وتصويرهم بمن يتناول رضف جهنم، وذلك أفظع سماعا وأشد إيجاعاً.
٦- [ اشتروا الضلالة بالهدى ] استعارة والمراد استبدلوا الكفر بالإيمان، شبه
تعالى تركهم الإيمان وأخذهم الكفر، بإنسان اشترى بضاعة، فدفع فيها ثمنا كبيرا،
ثم ذهبت التجارة وعظمت الخسارة، فأصبح من النادمين.
الفوائد :
الأولى : عن ابن عباس قال : تليت هذه الآية عند النبى (ص) [ يا أيها الناس كلوا
مما في الأرض حلالا طيبا ] فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله :(ادع الله
أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال يا سعد : أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه، ما يتقبل الله منه أربعين
يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به).
الثانية : قال بعض السلف :" يدخل في اتباع خطوات الشيطان كل معصية لله، وكل نذر
في المعاصي، قال الشعبي : نذر رجل أن ينحر ابنه فأفتاه مسروق بذبح كبش، وقال :
هذا من خطوات الشيطان.
الثالثة : قال ابن القيم في أعلام الموقعين عن قوله تعالى :[ ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ] قال : لك أن تجعل هذا من التشبيه
المركب، وأن تجعله من التشبيه المفرق، فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار –
في عدم فقههم وانتفاعهم – بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئا
غير الصوت المجرد الذي هو الدعاء والنداء، وإن جعلته من التشبيه المفرق : فالذين
كفروا بمنزلة البهائم، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها،
ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم
مجرد صوت الناعق والله أعلم.