قال الله تعالى :[ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب.. إلى.. فأصلح
بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ] من آية (١٧٧) إلى نهاية آية (١٨٢).
من هنا بداية النصف الثاني من السورة الكريمة على وجه التقريب، ونصف السورة
السابق كان متعلقا بأصول الدين وبقبائح بني إسرائيل، وهذا النصف غالبه متعلق
بالأحكام التشريعية الفرعية، ووجه المناسبة أنه تعالى ذكر في الآية السابقة أن
أهل الكتاب اختلفوا في دينهم اختلافا كبيرا صاروا بسببه في شقاق بعيد، ومن
أسباب شقاقهم " أمر القبلة " إذ أكثروا الخوض فيه، وأنكروا على المسلمين التحول
إلى استقبال الكعبة، وادعى كل من الفريقين – اليهود والنصارى – أن الهدى مقصور
على قبلته، فرد الله عليهم وبين أن العبادة الحقة وعمل البر ليس بتوجه الإنسان
جهة المشرق والمغرب، ولكن بطاعة الله وامتثال أوامره وبالإيمان الصادق الراسخ.
اللغة :
[ البر ] اسم جامع للطاعات وأعمال الخير
[ الرقاب ] جمع رقبة وهي في الأصل العنق، وتطلق على البدن كله، كما تطلق العين
على الجاسوس والمراد في الآية الأسرى والأرقاء
[ البأساء ] الفقر
[ الضراء ] السقم والوجع
[ البأس ] القتال، وأصل البأس في اللغة : الشدة
[ كتب ] فرض
[ القصاص ] العقوبة بالمثل، من قتل أو جرح، مأخوذ من القص وهو تتبع الأثر
[ وقالت لأخته قصيه ] أي اتبعى أثره
[ القتلى ] جمع قتيل يستوي المذكر والمؤنث يقال : رجل قتيل وامرأة قتيل
[ الألباب ] العقول جمع لب مأخوذ من لب النخلة
[ وإثما ] الإثم : الذنب
[ جنفا ] الجنف : العدول عن الحق على وجه الخطأ والجهل.
سبب النزول :
عن قتادة أن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان، وكان الحي منهم إذا كان
فيهم منعة، فقتل عبدهم عبد آخرين، قالوا : لن نقتل به إلا حرا، وإذا قتلت امرأة
منهم امرأة من آخرين قالوا : لن نقتل بها إلا رجلا فأنزل الله [ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ].
التفسير :
[ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ] أي ليس فعل الخير وعمل الصالحات محصوراً في أن يتوجه الإنسان في صلاته جهة المشرق أو المغرب
[ ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ] أي ولكن الطاعة، والبر الصحيح هو
الإيمان بالله واليوم الآخر
[ والملائكة والكتاب والنبيين ] أي وأن يؤمن بالملائكة والكتب والرسل
[ وآتى المال على حبه ذوي القربى ] أي أعطى المال على محبته له ذوي قرابته، فهم
أولى بالمعروف
[ واليتامى والمساكين وابن السبيل ] أي وأعطى المال أيضا لليتامى الذين فقدوا
آباءهم والمساكين الذين لا مال لهم، وابن السبيل المسافر المنقطع عن ماله
[ والسائلين وفي الرقاب ] أي الذين يسألون المعونة بدافع الحاجة، وفي تخليص
الأسرى والأرقاء بالفداء
[ وأقام الصلاة وآتى الزكاة ] أي وأتى بأهم أركان الإسلام وهما : الصلاة، والزكاة
[ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ] أي ومن يوفون بالعهود، ولا يخلفون الوعود
[ والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ] أي الصابرين على الشدائد، وحين
القتال في سبيل الله، وهو منصوب على المدح
[ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ] أي أهل هذه الأوصاف الحميدة، هم الذين
صدقوا في إيمانهم، وأولئك هم الكاملون في التقوى، وفي الآية ثناء على الأبرار،
وإيحاء إلى ما سيلاقونه من اطمئنان وخيرات حسان.
[ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ] أي فرض عليكم أن تقتصوا من
قاتل الإنسان، بالمساواة دون بغي أو عدوان
[ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ] أي اقتصوا من الجاني فقط، فإذا قتل
الحر الحر فاقتلوه به، وإذا قتل العبد العبد فاقتلوه به، وكذلك الأنثى إذا قتلت