٥- [ حقا على المتقين ] ذكر " المتقين " من باب الإلهاب والتهييج للتمسك بالتقوى.
٦- الطباع بين [ اتباع ] و[ أداء ] وبين [ الحر ] و[ العبد ].
الفوائد :
الأولى : في ذكر الأخوة " من أخيه " تعطف داع إلى العفو، فقد سمى الله القاتل أخاً
لولي المقتول [ فمن عفي له من أخيه شيء ] تذكيراً بالأخوة الدينية والبشرية، حتى
يهز عطف كل واحد منهما إلى الآخر، فيقع بينهم العفو، والاتباع بالمعروف،
والأداء بالإحسان.
الثانية : كان في بني إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية، وكان في النصارى
الدية، ولم يكن فيهم القصاص، فأكرم الله هذه الأمة المحمدية وخيرها بين
(القصاص، والدية، والعفو)، وهذا من يسر الشريعة الغراء التي جاء بها سيد
الأنبياء.
الثالثة : اتفق علماء البيان على أن هذه الآية [ ولكم في القصاص حياة ] بالغة أعلى
درجات البلاغة، ونقل عن بلغاء العرب في هذا المعنى قولهم :" القتل أنفى للقتل "
ولكن لورود الآية فضل من ناحية حسن البيان، وإذا شئت أن تزداد خبرة بفضل بلاغة
القرآن، وسمو مرتبته على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر، فانظر إلى العبارتين،
فإنك تجد من نفحات الإعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام
المخلوق، أما (الحكمة القرآنية) فقد جعلت سبب الحياة القصاص، وهو القتل عقوبة
على وجه التماثل، والمثل العربي جعل سبب الحياة القتل، ومن القتل ما يكون ظلما،
فيكون سبباً للفناء، وتصحيح العبارة أن يقال : القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما،
والآية جاءت خالية من التكرار اللفظي، والمثل كرر فيه لفظ القتل، فمسه بهذا
التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية، ومن الفروق الدقيقة بينهما أن الآية جعلت
القصاص سببا للحياة، والمثل جعل القتل سببا لنفى القتل، وهو لا يستلزم الحياة
.... الخ. وقد عد العلماء عشرين وجها من وجوه التفريق بين الآية القرآنية
واللفظة
العربية، وقد ذكرها السيوطي في كتابه (الإتقان) فارجع إليه تجد فيه شفاء
العليل.
قال الله تعالى [ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام.. إلى.. كذلك يبين الله
آياته للناس لعلهم يتقون ] من آية (١٨٣) إلى نهاية آية (١٨٧).
المناسبة : ذكر تعالى في الآيات السابقة حكم القصاص، ثم عقبه بحكم الوصية
للوالدين والأقربين، ثم بأحكام الصيام على وجه التفصيل، لأن هذا الجزء من
السورة الكريمة يتناول جانب الأحكام التشريعية، ولما كان الصوم من أهم الأركان،
ذكره الله تعالى هنا ليهيء عباده إلى منازل القدس، ومعارج المتقين الأبرار.
اللغة :
[ الصيام ] في اللغة : الإمساك عن الشيء، قال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام، أو
كلام، أو سير فهو صائم، قال الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
وفي الشرع : الإمساك عن الطعام والشراب والجماع في النهار مع النية
[ يطيقونه ] أي يصومونه بعسر ومشقة قال الراغب : الطاقة اسم لمقدار ما يمكن
للإنسان أن يفعله مع المشقة، وشبه بالطوق المحيط بالشيء
[ فدية ] ما يفدي به الإنسان نفسه من مال وغيره
[ شهر ] من الاشتهار وهو الظهور
[ رمضان ] من الرمض وهو شدة الحر والرمضاء شدة حر الشمس، وسمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها
[ الرفث ] الجماع ودواعيه، وأصله قول الفحش ثم كني به عن الجماع، قال الشاعر :
ويرين من أنس الحديث زوانياً وبهن عن رفث الرجال نفار
[ تختانون ] قال في اللسان : خانه واختانه، والمخاتنة مصدر من الخيانة وهي ضد
الأمانة، وسئل بعضهم عن السيف فقال : أخوك وإن خانك
[ عاكفون ] الاعتكاف في اللغة : اللبث واللزوم، وفي الشرع : المكث في المسجد
للعبادة
[ حدود الله ] الحد في اللغة : المنع وأصله الحاجز بين الشيئين المتقابلين، وسميت
الأحكام (حدودا) لأنها تحجز بين الحق والباطل.