بنكاحهن الولد، ولا تباشروهن لقضاء الشهوة فقط
[ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ] أي كلوا
واشربوا إلى طلوع الفجر
[ ثم أتموا الصيام إلى الليل ] أي أمسكوا عن الطعام والشراب والنكاح إلى غروب
الشمس
[ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ] أي لا تقربوهن ليلا أو نهارا، ما دمتم
معتكفين في المساجد
[ تلك حدود الله فلا تقربوها ] أي تلك أوامر الله وزواجره، وأحكامه التي شرعها
لكم، فلا تخالفوها
[ كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ] أي يوضح لكم الأحكام، لتجتنبوا
المحارم التي نهاكم عنها ربكم!
البلاغة :
١- [ كما كتب ] التشبيه في الفرضية لا في الكيفية أي فرض الصيام عليكم كما فرض
على الأمم قبلكم، وهذا التشبيه يسمى (مرسلا مجملا).
٢- [ فمن كان منكم مريضا أو على سفر ] فيه إيجاز بالحذف أي من كان مريضا فأفطر،
أو على سفر فأفطر، فعليه قضاء أيام بعدد ما أفطر.
٣- [ وعلى الذين يطيقونه ] في تفسير الجلالين قدره بحذف " لا " أي لا يطيقونه، ولا
ضرورة لهذا الحذف لأن معنى الآية يطيقونه بجهد شديد، وذلك كالشيخ الهرم،
والحامل، والمرضع، فهم يستطيعونه لكن مع المشقة الزائدة، والطاقة اسم لمن كان
قادرا على الشيء مع الشدة والمشقة.
٤- [ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ] فيه من المحسنات البديعية ما يسمى
بـ " طباق السلب " كما أن بين لفظ " اليسر " و " العسر " طباقا.
٥- [ الرفث إلى نسائكم ] الرفث كناية عن الجماع، وعدي بـ " إلى " لتضمنه معنى
الإفضاء وهو من الكنايات الحسنة كقوله :[ فلما تغشاها ] وقوله :[ فأتوا حرثكم ]
وقوله :[ فالآن باشروهن ] قال ابن عباس : إن الله عز وجل كريم حليم يكني.
٦- [ هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ] استعارة بديعة شبه كل واحد من الزوجين
لاشتماله على صاحبه في العناق والضم، باللباس المشتمل على لابسه قال في تلخيص
البيان :" المراد قرب بعضهم من بعض واشتمال بعضهم على بعض كما تشتمل الملابس على
الأجسام فاللباس استعارة ".
٧- [ الخيط الأبيض من الخيط الأسود ] هذه استعارة عجيبة، والمراد بها بياض الصبح
وسواد الليل، والخيطان هنا مجاز عن إشراق النهار، وظلمة الليل. وذهب الزمخشري
على أنه من التشبيه البليغ.
الفوائد :
الأولى : روي عن الحسن أنه قال : إن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود
والنصارى، أما اليهود فإنها تركت هذا الشهر، وصامت يوما من السنة زعموا أنه يوم
غرق الله فيه فرعون، وأما النصارى فإنهم صاموا رمضان فصادفوا فيه الحر الشديد،
فحولوه إلى وقت لا يتغير، ثم قالوا عند ذلك نزيد فيه فزادوا عشرا، ثم بعد زمان
اشتكى ملكهم فنذر سبعا فزادوه، ثم جاء بعد ذلك ملك آخر فقال : ما بال هذه الثلاثة فأتمه خمسين يوما وهذا معنى قوله تعالى :[ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً ]
الثانية : قال الحافظ ابن كثير : وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء
متخللة بين أحكام الصيام [ وإذا سألك عبادي عني ] إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء
عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر، لحديث " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " وكان
عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر :" اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن
تغفر لي ذنوبي ".
الثالثة : ظاهر نظم الجملة [ وإذا سألك عبادي عني ] أنهم سألوا عن الله، والسؤال
لا يكون عن الذات، وإنما يكون عن شأن من شؤونها فقوله في الجواب [ فإني قريب ]
يدل على أنهم سألوا عن جهة القرب أو البعد، ولم يصدر الجواب بـ " قل " أو فقل كما
وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى نحو [ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها
ربي نسفا ] بل تولى جوابهم بنفسه، إشعارا بفرط قربه تعالى منهم، وحضوره مع كل