[ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ] أي قاتلوا لإعلاء دين الله، من قاتلكم
من الكفار
[ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ] أي لا تبدأوا بقتالهم فإنه تعالى لا يحب
من ظلم أو اعتدى، وكان هذا في بدء أمر الدعوة ثم نسخ بآية براءة [ وقاتلوا
المشركين كافة ] وقيل نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله :[ واقتلوهم حيث ثقفتموهم ]
أي اقتلوهم حيث وجدتموهم في حل أو حرم
[ وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ] أي شردوهم من أوطانهم، وأخرجوهم منها كما أخرجوكم من مكة
[ والفتنة أشد من القتل ] أي فتنة المؤمن عن دينه أشد من قتله، وقيل : كفر الكفار
أشد وأبلغ من قتلكم لهم في الحرم، فإذا استعظموا القتال فيه، فكفرهم أعظم
[ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ] أي لا تبدأوهم بالقتال في
الحرم حتى يبدأوا هم بقتالكم فيه
[ فإن قاتلوكم فاقتلوهم ] أي إن بدأوكم بالقتال فلكم حينئذ قتالهم، لأنهم انتهكوا
حرمته والبادي بالشر أظلم
[ كذلك جزاء الكافرين ] أي هذا الحكم جزاء كل من كفر بالله
[ فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ] أي فإن انتهوا عن الشرك وأسلموا فكفوا عنهم،
فإن الله يغفر لمن تاب وأناب
[ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ] أي قاتلوا المحاربين حتى تكسروا
شوكهم، ولا يبقى شرك على وجه الأرض، ويصبح دين الله هو الظاهر العالي على سائر
الأديان [ فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ] أي فإن انتهوا عن قتالكم فكفوا عن
قتلهم، فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عدوان إلا على الظالمين، أو فإن
انتهوا عن الشرك فلا تعتدوا عليهم.. ثم بين تعالى أن قتال المشركين لهم في
الشهر الحرام، يبيح للمؤمنين دفع العدوان فيه فقال :
[ الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ] أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام
فقاتلوهم في الشهر الحرام، فكما هتكوا حرمة الشهر، واستحلوا دماءكم فيه،
فافعلوا بهم مثله ((وقيل معناه الشهر الحرام الذي دخلتم فيه مكة بالشهر الحرام
الذي صددتم فيه عن دخولها، وكان ذلك لما صد الكفار النبي (ص) عن دخول مكة عام
الحديبية في شهر ذى القعدة)).
[ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ] أي ردوا عن أنفسكم العدوان
فمن قاتلكم في الحرم أو في الشهر الحرام، فقابلوه وجازوه بالمثل
[ واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ] أي راقبوا الله في جميع أعمالكم
وأفعالكم، واعلموا أن الله مع المتقين بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة
[ وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ] أي أنفقوا في الجهاد وفي
سائر وجوه القربات، ولا تبخلوا في الإنفاق فيصيبكم الهلاك، ويتقوى عليكم
الأعداء، وقيل معناه : لا تتركوا الجهاد في سبيل الله وتشتغلوا بالأموال
والأولاد فتهلكوا
[ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ] أي أحسنوا في جميع أعمالكم حتى يحبكم الله،
وتكونوا من أوليائه المقربين.
البلاغة :
١- [ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ] هذا النوع من البديع يسمى
" الأسلوب الحكيم " فقد سألوا الرسول (ص) عن الهلال لم يبدو صغيرا ثم يزداد حتى
يتكامل نوره ؟ فصرفهم إلى بيان الحكمة من الأهلة وكأنه يقول : كان الأولى بكم أن
تسألوا عن حكمة خلق الأهلة لا عن سبب تزايدهم في أول الشهر وتناقصها في آخره،
وهذا ما يسميه علماء البلاغة " الأسلوب الحكيم ".
٢- [ الشهر الحرام بالشهر الحرام ] فيه إيجاز بالحذف تقديره : هتك حرمة الشهر
الحرام، تقابل بهتك حرمة الشهر الحرام، ويسمى حذف الإيجاز.
٣- [ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ] سمي جزاء العدوان عدواناً من قبيل
" المشاكلة " وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى كقوله :[ وجزاء سيئة


الصفحة التالية
Icon