من تكون الدنيا همه فيقول : اللهم اجعل عطائي ومنحتي في الدنيا خاصة، وما له في
الآخرة من حظ ولا نصيب
[ ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ] أي ومنهم من يطلب
خيري الدنيا والآخرة وهو المؤمن العاقل، وقد جمعت هذه الدعوة كل خير، وصرفت كل
شر، فالحسنة في الدنيا تشمل الصحة والعافية، والدار الرحبة، والزوجة الحسنة،
والرزق الواسع إلى غير ما هنالك، والحسنة في الآخرة تشمل الأمن من الفزع
الأكبر، وتيسير الحساب، ودخول الجنة، والنظر إلى وجه الله الكريم إلخ
[ وقنا عذاب النار ] أي نجنا من عذاب جهنم
[ أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سرع الحساب ] أي هؤلاء الذين طلبوا سعادة
الدارين، لهم حظ وافر مما عملوا من الخيرات، والله سريع الحساب يحاسب الخلائق
بقدر لمحة بصر
[ واذكروا الله في أيام معدودات ] أي كبروا الله في أعقاب الصلوات وعند رمي
الجمرات، في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر
[ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ] أي من استعجل بالنفر من منى بعد تمام يومين
من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك فنفر فلا حرج
عليه
[ ومن تأخر فلا إثم عليه ] أي ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث – وهو النفر
الثاني – فلا حرج عليه أيضا وهو اليوم الرابع من عيد الأضحى
[ لمن اتقى ] لمن أراد أن يتقي الله، فيأتي بالحج على الوجه الأكمل
[ واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ] أي خافوا الله تعالى واعلموا أنكم
مجموعون إليه للحساب، فيجازيكم بأعمالكم!
البلاغة :
١- [ يبلغ الهدى محله ] كناية عن ذبحه في مكان الإحصار.
٢- [ فمن كان منكم مريضا ] فيه إيجاز بالحذف أي كان مريضا فحلق أو به أذى من رأسه
فحلق، فعليه فدية.
٣- [ وسبعة إذا رجعتم ] فيه التفات من الغائب إلى المخاطب، وهو من المحسنات
البديعية.
٤- [ تلك عشرة كاملة ] فيه إجمال بعد التفصيل وهذا من باب " الإطناب " وفائدته
زيادة التأكيد والمبالغة في المحافظة على صيامها، وعدم التهاون بها أو تنقيص
عددها.
٥- [ واتقوا الله واعلموا أن الله ] إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية
المهابة وإدخال الروعة في النفس.
٦- [ فلا رفث ولا فسوق ] صيغته نفي وحقيقته نهي، أي لا يرفث ولا يفسق، وهو أبلغ
من النهي الصريح، لأنه يفيد أن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع أصلا، فإن ما كان
منكرا مستقبحاً في نفسه ففي أشهر الحج يكون أقبح وأشنع ففي الإتيان بصيغة
الخبر، وإرادة النهي مبالغة واضحة.
٧- [ فاذكروا الله كذكركم آباءكم ] فيه تشبيه تمثيلي يسمى (مرسلا مجملا).
٨- المقابلة اللطيفة بين [ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا ] وبين [ ومنهم
من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ] الآية.
فائدة :
أصل النسك : العبادة، وسميت (ذبيحة الأنعام) نسكا لأنها من أشرف العبادات التي
يتقرب بها المؤمن إلى الله تعالى، وبخاصة فى موسم الحج.
فائدة ثانية : زاد الدنيا يوصل إلى مراد النفس وشهواتها، وزاد الآخرة يوصل إلى
النعيم المقيم في الآخرة، ولهذا ذكر تعالى زاد الآخرة وهو الزاد النافع، وفي
هذا المعنى يقول الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
قال الله تعالى :[ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا.. إلى.. والله
يرزق من يشاء بغير حساب ] من آية (٢٠٤) إلى نهاية آية (٢١٢).
المناسبة :
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة العبادات التى تطهر القلوب، وتزكي النفوس
كالصيام، والصدقة، والحج، وذكر أن من الناس من يطلب الدنيا ولا غاية له وراءها،