ومنهم من تكون غايته نيل رضوان الله تبارك وتعالى، أعقبها بذكر نموذج عن الفريقين : فريق الضلالة الذي باع نفسه للشيطان، وفريق الهدى الذي باع نفسه للرحمن، ثم حذر تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، وبين لنا عدواته الشديدة.
اللغة :
[ ألد ] اللدد : شدة الخصومة قال الطبري : الألد : الشديد الخصومة، وفي الحديث (إن
أبغض الرجال إلى الله الالد الخصم)
[ الحرث ] : الزرع لأنه يزرع ثم يحرث
[ النسل ] الذرية والولد، وأصله الخروج بسرعة ومنه
[ إلى ربهم ينسلون ] وسمي نسلا لأنه ينسل – يسقط – من بطن أمه بسرعة
[ العزة ] الأنفة والحمية
[ حسبه ] حسب اسم فعل أمر بمعنى كافيه
[ المهاد ] : الفراش الممهد للنوم
[ يشري ] : يبيع
[ ابتغاء ] طلب
[ السلم ] بكسر السين بمعنى الإسلام، وبفتحها بمعنى الصلح، وأصله من الاستسلام
وهو الخضوع والانقياد، قال الشاعر :
دعوت عشيرتي للسلم حتى رأيتهم تولوا مدبرينا
[ زللتم ] الزلل : الانحراف عن الطريق المستقيم وأصله في القدم ثم استعمل في
الأمور المعنوية
[ ظلل ] جمع ظلة وهي ما يستر الشمس ويحجب أشعتها عن الرؤية.
سبب النزول :
١- روي أن الأخنس بن شريق أتى النبى (ص) فأظهر له الإسلام وحلف أنه يحبه، وكان
منافقا حسن العلانية خبيث الباطن، ثم خرج من عند النبي (ص) فمر بزرع لقوم من
المسلمين، وحمر فأحرق الزرع وقتل الحمر، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات [ ومن
الناس من يعجبك قوله.. ] الآية إلى قوله :[ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها
ويهلك الحرث والنسل.. ] الآية.
٢- وروي أن صهيبا الرومي لما أراد الهجرة إلى المدينة المنورة لحقه نفر من قريش
من المشركين ليردوه، فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال : يا
معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما
في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، قالوا :
جئتنا صعلوكا لا تملك شيئا وأنت الآن ذو مال كثير!! فقال : أرأيتم إن دللتكم على
مالي تخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم، فدلهم على ماله بمكة، فلما قدم المدينة دخل على
رسول الله (ص) فقال له (ص) :(ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب)، وأنزل الله عز
وجل فيه [ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله.. ] الآية.
التفسير :
[ ومن الناس من يعجبك قوله ] أي ومن الناس فريق يروقك كلامه يا محمد، ويثير
إعجابك بخلابة لسانه وقوة بيانه، ولكنه منافق كذاب
[ في الحياة الدنيا ] أي في هذه الحياة فقط، أما الآخرة فالحاكم فيها علام
الغيوب الذي يطلع على القلوب والسرائر
[ ويشهد الله على ما في قلبه ] أي يظهر لك الإيمان، ويبارز الله بما في قلبه من
الكفر والنفاق
[ وهو ألد الخصام ] أي شديد الخصومة يجادل بالباطل، ويتظاهر بالدين والصلاح
بكلامه المعسول
[ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ] أي وإذا انصرف عنك عاث في الأرض فسادا،
وقد نزلت في الأخنس ولكنها عامة في كل منافق، يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ فيك كما يروغ الثعلب
[ ويهلك الحرث والنسل ] أي يهلك الزرع والذرية، وهي ما تناسل من الإنسان
والحيوان، الذي لا قوام للناس إلا بهما، فإفسادهما تدمير للإنسانية
[ والله لا يحب الفساد ] أي يبغض الفساد ولا يحب المفسدين
[ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ] أي إذا وعظ هذا الفاجر، وذكر وقيل
له انزع عن قولك وفعلك القبيح، حملته الأنفة وحمية الجاهلية، على الفعل بالإثم،
والتكبر عن قبول الحق، فأغرق في الإفساد، وأمعن في العناد
[ فحسبه جهنم ولبئس المهاد ] أي يكفيه أن تكون له جهنم فراشا ومهاداً، وبئس هذا
الفراش والمهاد


الصفحة التالية
Icon