[ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ] هذا هو النوع الثاني وهم الأخيار
الأبرار، والمعني : ومن الناس فريق من أهل الخير والصلاح باع نفسه لله، طالبا
لمرضاته ورغبة في ثوابه لا يتحرى بعمله إلا وجه الله
[ والله رءوف بالعباد ] أي عظيم الرحمة بالعباد يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات
ولا يعجل العقوبة لمن عصاه.. ثم أمر تعالى المؤمنين بالانقياد لحكمه،
والاستسلام لأمره والدخول في الإسلام، الذي لا يقبل الله دينا سواه فقال :
[ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ] أي ادخلوا في الإسلام بكليته في
جميع أحكامه وشرائعه، فلا تأخذوا حكما وتتركوا حكما، لا تأخذوا بالصلاة وتمنعوا
الزكاة مثلا، فالإسلام كل لا يتجزأ
[ ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ] أي لا تتبعوا طرق الشيطان
وإغواءه، فإنه عدو لكم ظاهر العداوة
[ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ] أي إن انحرفتم عن الدخول في الإسلام، من
بعد مجيء الحجج الباهرة والبراهين القاطعة على أنه حق
[ فاعلموا أن الله عزيز حكيم ] أي اعلموا أن الله غالب لا يعجزه الانتقام ممن
عصاه، حكيم في خلقه وصنعه
[ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ] أي ما ينتظرون شيئا
إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة لفصل القضاء بين الخلائق، ((ذهب الإمام الفخر
إلى أن معنى قوله :[ أن يأتيهم الله ] أي يأتيهم أمره وبأسه فهو على حذف مضاف مثل
قوله :[ واسأل القرية ] واستدل على ذلك بالآية الأخرى [ هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتي أمر ربك ] وما أثبتناه هو قول ابن كثير وهو مذهب السلف
الصالح.!)) حيث تنشق السماء، وينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام، وحملة
العرش والملائكة الذين لا يعلم كثرتهم إلا الله ولهم زجل من التسبيح يقولون :
(سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت،
سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
[ وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ] أي انتهى أمر الخلائق بالفصل بينهم، فريق
في الجنة وفريق في السعير، وإلي الله وحده مرجع الناس جميعاً.. والمقصود تصوير
عظمة يوم القيامة، وهولها وشدتها، وبيان أن الحاكم فيها هو ملك الملوك جل وعلا،
الذي لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه وهو أحكم الحاكمين.. ثم قال تعالى مخاطبا
رسوله الكريم
[ سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ] أي سل يا محمد بني إسرائيل – توبيخا
لهم وتقريعا – كم شاهدوا مع موسى من معجزات باهرات، وحجج قاطعات تدل على صدقه ؟
ومع ذلك كفروا ولم يؤمنوا
[ ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ] أي من يبدل نعم
الله بالكفر والجحود بها، فإن عقاب الله له أليم وشديد
[ زين للذين كفروا الحياة الدنيا ] أي زينت لهم شهوات الدنيا ونعيمها حتى نسوا
الآخرة، وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهافتوا عليها، وأعرضوا عن دار الخلود
[ ويسخرون من الذين آمنوا ] أي وهم مع ذلك يهزأون ويسخرون بالمؤمنين يرمونهم بقلة العقل، لتركهم الدنيا وإقبالهم على الآخرة كقوله سبحانه :[ إن الذين أجرموا
كانوا من الذين آمنوا يضحكون ] قال تعالى ردا عليهم :
[ والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ] أي والمؤمنون المتقون لله، فوق أولئك
الكافرين منزلة ومكانة، فهم في أعلى عليين، وأولئك في أسفل سافلين، والمؤمنون
في الآخرة في أوج العز والكرامة، والكافرون في حضيض الذل والمهانة
[ والله يرزق من يشاء بغير حساب ] أي والله يرزق أولياءه رزقاً واسعاً رغداً، لا
فناء له ولا انقطاع كقوله :[ يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ] أو يرزق في