الدنيا من شاء من خلقه ويوسع على من شاء، مؤمنا كان أو كافرا، برا أو فاجرا،
على حسب الحكمة والمشيئة دون أن يكون له محاسب سبحانه وتعالى.
البلاغة :
١- [ أخذته العزة بالإثم ] ذكر لفظ الإثم بعد قوله العزة يسمى عند علماء البديع
بـ (التتميم) لأنه قد يتوهم أن المراد عزة المدح والثناء فذكر (بالإثم) ليشير
على أنها عزة مذمومة.
٢- [ ولبئس المهاد ] هذا من باب التهكم أي جعلت له جهنم غطاء وفراشا تكريما له،
كما تكرم الأم ولدها بالفراش اللبن.
٣- [ هل ينظرون ] استفهام إنكاري في معنى النفي بدليل مجيء إلا بعدها أي ما
ينتظرون.
٤- [ في ظلل من الغمام ] التنكير للتهويل، فهي في غاية الهول لما لها من الكثافة
التي تغم على الرائي ما فيها وقوله :[ وقضي الأمر ] هو عطف على المضارع
[ يأتيهم الله ] وإنما عدل إلى صيغة الماضي، للدلالة على تحققه فكأنه قد كان.
٥- [ فإن الله شديد العقاب ] إظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة.
٦- [ زين.. ويسخرون ] أورد التزيين بصيغة الماضى لكونه مفروغاً منه مركوزاً في
طبيعتهم، وعطف عليه بالفعل المضارع [ ويسخرون ] للدلالة على استمرار السخرية
منهم، لأن صيغة المضارع تفيد الدوام والاستمرار.
تنبيه :
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى فى رسالته التدمرية :" وصفه تعالى نفسه بالإتيان
في ظلل من الغمام، كوصفه بالمجيء في آيات أخر والقول في جميع ذلك من جنس واحد، وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها، إنهم يصفونه سبحانه بما وصف به نفسه من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والقول في صفاته كالقول في ذاته، فلو سأل سائل :
كيف يجيء سبحانه ؟ فليقل له : كما لا تعلم كيفية ذاته، كذلك لا تعلم كيفية صفاته ".
قال الله تعالى :[ كان الناس أمة واحدة.. إلى.. أولئك يرجون رحمة الله والله
غفور رحيم ] من آية (٢١٣) إلى نهاية آية (٢١٨).
المناسبة :
ذكر سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن الناس فريقان : فريق يسعى في الأرض
فسادا ويضل الناس بخلابة لسانه وقوة بيانه، وفريق باع نفسه للحق يبتغي به رضى
الله ولا يرجو أحدا سواه، ولما كان لابد من التنازع بين الخير والشر، ولابد
للحق من سيف مصلت إلى جانبه، لذا شرع الله للمؤمنين أن يحملوا السيف مناضلين،
وشرع الجهاد دفعا للعدوان، وردعا للظلم والطغيان.
اللغة :
[ بغيا ] البغي : العدوان والطغيان
[ وزلزلوا ] مأخوذ من زلزلة الأرض وهو اضطرابها والزلزلة : التحريك الشديد
[ كره ] مكروه تكرهه نفوسكم، قال ابن قتيبة : الكره بالضم المشقة، وبالفتح الإكراه
والقهر
[ صد ] الصد : المنع يقال : صده عن الشيء أي منعه عنه
[ يرتدد ] يرجع والردة الرجوع من الإيمان إلى الكفر قال الراغب : الارتداد
والردة : الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر، والارتداء
يستعمل فيه وفي غيره، قال تعالى :[ فارتدا على آثارهما قصصا ]
[ حبطت ] بطلت وذهبت قال في اللسان : حبط : عمل عملا ثم أفسده، وفي التنزيل [ فأحبط
أعمالهم ] أي أبطل ثوابهم
[ يرجون ] الرجاء : الأمل والطمع في حصول ما فيه نفع ومصلحة.
سبب النزول :
بعث رسول الله (ص) عبد الله بن جحش على سرية ليترصدوا عيرا لقريش فيها " عمرو بن الحضرمي " وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيها من تجارة، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف، ويتفرق فيه الناس إلى معايشهم وعظم ذلك على المسلمين، فنزلت
[ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه.. ] الآية.
التفسير :
[ كان الناس أمة واحدة ] أي كانوا على الإيمان والفطرة المستقيمة، فاختلفوا


الصفحة التالية
Icon