وتنازعوا [ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ] أي بعث الله الأنبياء لهداية الناس، مبشرين للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذرين للكافرين بعذاب الجحيم
[ وأنزل معهم الكتاب بالحق ] أي وأنزل معهم الكتب السماوية لهداية البشرية، حال
كونها منزلة لمصالح الناس، في أمر الدين الذي اختلفوا فيه
[ وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ] أي وما اختلف في الكتاب الهادي المنير، المنزل
لإزالة الاختلاف، إلا الذين أعطوا الكتاب، أي إنهم عكسوا الأمر حيث جعلوا ما
أنزل لإزالة الاختلاف، سببا لاستحكامه ورسوخه
[ من بعد ما جاءتهم البينات ] أي من بعد ظهور الحجج الواضحة والدلائل القاطعة على
صدق الكتاب، فقد كان خلافهم عن بينة وعلم، لا عن غفلة وجهل
[ بغيا بينهم ] أي حسدا من الكافرين للمؤمنين
[ فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ] أي هدى الله المؤمنين
للحق الذي اختلف فيه أهل الضلالة بتيسيره ولطفه
[ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ] أي يهدي من يشاء هدايته إلى طريق الحق،
الموصل إلى جنات النعيم
[ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ] أي بل ظننتم يا معشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة،
بدون ابتلاء وامتحان واختبار
[ ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم ] أي والحال لم ينلكم مثل ما نال من سبقكم من
المؤمنين، من المحن الشديدة، ولم تبتلوا بمثل ما ابتلوا به من النكبات
[ مستهم البأساء والضراء ] أي أصابتهم الشدائد والمصائب والنوائب
[ وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ] ؟ أي أزعجوا إزعاجا
شديدا، شبيها بالزلزلة، حتى وصل بهم الحال أن يقول الرسول والمؤمنون معه : متى
نصر الله ؟ أي متى يأتي نصر الله ؟ وذلك استبطاء منهم للنصر، لتناهي الشدة عليهم،
وهذا غاية الغايات في تصوير شدة المحنة، فإذا كان الرسل – مع علو كعبهم في
الصبر والثبات – قد عيل صبرهم، وبلغوا هذا المبلغ من الضجر والضيق، كان ذلك
دليلا على أن الشدة بلغت منتهاها، قال تعالى جوابا لهم :
[ ألا إن نصر الله قريب ] أي ألا فأبشروا بالنصر فإنه قد حان أوانه [ ولينصرن الله
من ينصره إن الله لقوي عزيز ] ثم قال تعالى :
[ يسألونك ماذا ينفقون ] أي يسألونك يا محمد ماذا ينفقون وعلى من ينفقون ؟ نزلت
لما قال بعض الصحابة يا رسول الله : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها ؟
[ قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ] أي
قل لهم يا محمد اصرفوا في هذه الوجوه
[ وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ] أي وكل معروف تفعلونه يعلمه الله،
وسيجزيكم عليه أوفر الجزاء.. ثم قال تعالى مبينا حكمة مشروعية القتال في
الإسلام
[ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ] أي فرض عليكم أيها المؤمنون قتال الكفار، وهو
شاق ومكروه على نفوسكم، لما فيه من بذل المال، وخطر هلاك النفس
[ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ] أي ولكن قد تكره نفوسكم شيئا وفيه كل النفع
والخير
[ وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ] أي وقد تحب نفوسكم شيئا وفيه كل الخطر والضرر
عليكم، فلعل لكم في القتال – وإن كرهتموه – خيرا لأن فيه إما الظفر والغنيمة،
أو الشهادة والأجر، ولعل لكم في تركه – وإن أحببتموه – شرا لأن فيه الذل
والفقر، وحرمان الأجر
[ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] أي الله أعلم بعواقب الأمور منكم، وأدرى بما فيه
صلاحكم، في دنياكم وآخرتكم، فبادروا إلى ما يأمركم به ربكم
[ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ] أي يسألك أصحابك يا محمد عن القتال في
الشهر الحرام، أيحل لهم القتال فيه ؟
[ قل قتال فيه كبير ] أي قل لهم القتال فيه أمره كبير ووزره عظيم، ولكن هناك ما
هو أعظم وأخطر، وهو


الصفحة التالية
Icon