[ وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ] أي
ومنع المؤمنين عن دين الله وكفرهم بالله، وصدهم عن المسجد الحرام – يعني مكة –
وإخراجكم من البلد الحرام وأنتم أهله وحماته، كل ذلك أعظم وزراً وذنبا عند
الله، من قتل من قتلتم من المشركين، فإذا استعظموا قتالكم لهم في الشهر الحرام،
فليعلموا أن ما ارتكبوه في حق النبى والمؤمنين أعظم وأشنع
[ والفتنة أكبر من القتل ] أي فتنة المسلم عن دينه، ليردوه إلى الكفر بعد إيمانه،
أكبر عند الله من القتل
[ ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ] أي ولا يزالون جاهدين
في قتالكم، حتى يعيدوكم إلى الكفر والضلال إن قدروا، فهم غير نازعين عن كفرهم
وعدوانهم
[ ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ]
أي ومن يستجب لهم منكم فيرجع عن دينه، ويرتد عن الإسلام، ثم يموت على الكفر، قد
بطل عمله الصالح في الدارين وذهب ثوابه
[ وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي وهم مخلدون في جهنم، لا يخرجون منها
أبدا
[ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله ] أي إن المؤمنين الذين
فارقوا الأهل والأوطان، وجاهدوا الأعداء لإعلاء دين الله
[ أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ] أي أولئك الموصوفون بالأوصاف الحميدة،
هم الجديرون أن ينالوا رحمة الله، والله عظيم المغفرة، واسع الرحمة.
البلاغة :
١- [ كان الناس أمة واحدة ] فيه إيجاز بالحذف أي كانوا أمة واحدة على الإيمان
متمسكين بالحق فاختلفوا، فبعث الله النبيين، ودل على هذا المحذوف قوله :[ ليحكم
بين الناس فيما اختلفوا فيه ].
٢- [ أم حسبتم ] أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار والاستبعاد.
٣- [ ولما يأتكم ] (لما) تدل على النفي مع توقع وقوع المنفي، والمعنى : لما ينزل
بكم مثل ما نزل بمن قبلكم، وسينزل فإن نزل فاصبروا، قال المبرد : إذا قال
القائل : لم يأتني زيد، فهو نفي لقولك أتاك زيد ؟ وإذا قال : لما يأتني فمعناه أنه
لم يأتني بعد وأنا أتوقعه، وعلى هذا يكون إتيان الشدائد على المؤمنين متوقعا
منتظراً.
٤- [ ألا إن نصر الله قريب ] في هذه الجملة عدة مؤكدات تدل على تحقق النصر أولا :
بدء الجملة بأداة الاستفتاح " ألا " التي تفيد التأكيد، ثانيا : ذكر " إن " الدالة
على التوكيد أيضا، ثالثا : إيثار الجملة الإسمية على الفعلية فلم يقل " ستنصرون "
والتعبير بالجملة الإسمية يفيد التأكيد رابعا : إضافة النصر إلى رب العالمين
القادر على كل شيء.
٥- [ وهو كره لكم ] وضع المصدر موضع اسم المفعول (مكروه) للمبالغة، كقول الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار.
٦- [ وعسى أن تكرهوا شيئا.. وعسى أن تحبوا شيئا ] بين الجملتين من المحسنات
البديعية ما يسمى بـ " المقابلة " فقد قابل بين الكراهية والحب، وبين الخير
والشر.
٧- [ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] فيه من البديع ما يسمى بـ " طباق السلب ".
فائدة :
عبر تعالى بصيغة الواحد عن كتب النبيين [ وأنزل معهم الكتاب ] للإشارة إلى أن كتب
النبيين وإن تعددت هي في لبها وجوهرها كتاب واحد لاشتمالها على شرع واحد، في
أصله كما قال تعالى :[ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك.. ]
الآية.
تنبيه :
روى البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال :(شكونا إلى رسول الله (ص) وهو
متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : قد كان
من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما
دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير
الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم