تستعجلون).
قال الله تعالى :[ يسألونك عن الخمر والميسر.. إلى.. والله غفور حليم ] من آية
(٢١٩) إلى نهاية آية (٢٢٥).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحكام القتال، وبين الهدف السامي من مشروعيته، وهو نصرة الحق
وإعزاز الدين، وحماية الأمة من أن يلتهمها العدو الخارجي، ذكر بعدها ما يتعلق
بإصلاح (المجتمع الداخلي) على أسس من الفضيلة والخلق الكريم، لتقوم دعائمها على
أسس متينة، وتبقى صرحاً شامخاً لا تؤثر في الأعاصير.
اللغة :
[ الخمر ] المسكر من الأشربة سميت خمرا لأنها تستر العقل وتغطيه، وقولهم : خمرت
الغناء أي غطيته
[ الميسر ] القمار وأصله من اليسر لأنه كسب من غير كد ولا تعب، وقيل من اليسار
لأنه سبب الغنى
[ إثم ] : الذنب وجمعه آثام، وتسمى الخمر بـ " الإثم " لأن شربها سبب في الإثم، قال
الشاعر : شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
[ العفو ] الفضل والزيادة على الحاجة
[ أعنتكم ] أوقعكم في الحرج والمشقة، وأصل العنت : المشقة
[ أمة ] الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة وجمعها إماء
[ المحيض ] مصدر بمعنى الحيض، كالمعيش بمعنى العيش، وأصل الحيض : السيلان يقال :
حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت
[ حرث ] الحرث : إلقاء البذر في الأرض قاله الراغب، وقال الجوهري : الحرث : الزرع،
والحارث الزارع ومعنى حرث أي مزرع ومنبت للولد على سبيل التشبيه
[ عرضة ] مانعاً وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو عرضة، ولهذا يقال للسحاب : عارض
لأنه يمنع رؤية الشمس.
[ اللغو ] الساقط الذي لا يعتد به سواء كان كلاماً أو غيره، ولغو الطائر : تصويته.
سبب النزول :
أ ) جاء جماعة من الأنصار فيهم عمر بن الخطاب إلى رسول الله (ص) فقالوا يا رسول
الله : أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مذهبة للعقل، مسلبة للمال ؟ فأنزل الله
[ يسألونك عن الخمر والميسر.. ] الآية.
ب) عن ابن عباس قال : لما أنزل الله [ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ]
انطلق من كان عنده مال يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل
الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك
لرسول الله (ص) فأنزل الله [ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير.. ] الآية.
ج) عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها
ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله (ص) من ذلك فأنزل الله عز
وجل
[ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى.. ] الآية.
التفسير :
[ يسألونك عن الخمر والميسر ] أي يسألونك يا محمد عن حكم الخمر وحكم القمار
[ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ] أي قل لهم إن في تعاطي الخمر والميسر ضررا
عظيما وإثما كبيرا، ومنافع مادية ضئيلة
[ وإثمهما أكبر من نفعهما ] أي وضررهما أعظم من نفعهما، فإن ضياع العقل وذهاب
المال، وتعريض البدن للمرض في الخمر، وما يجره القمار من خراب البيوت ودمار
الأسر، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، كل ذلك محسوس مشاهد، وإذا قيس
الضرر الفادح بالنفع التافه، ظهر خطر المنكر الخبيث
[ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ] أي ويسألونك ماذا ينفقون وماذا يتركون من
أموالهم ؟ قل لهم : أنفقوا الفاضل عن الحاجة، ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا
أنفسكم
[ كذلك يبين الله لكم الآيات ] أي كما يبين لكم الأحكام يبين لكم المنافع
والمضار، والحلال والحرام
[ لعلكم تتفكرون ] [ في الدنيا والآخرة ] أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة،
فتعلموا أن الأولى فانية والآخرة باقية، فتعملوا لما هو أصلح، والعاقل من آثر
ما يبقى على ما يفنى.
[ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ] أي ويسألونك يا محمد عن مخالطة اليتامى


الصفحة التالية
Icon