[ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ] أي لا تجعلوا الحلف بالله، سبباً مانعاً عن
فعل الخير، فتتعللوا باليمين بأن يقول أحدكم : قد حلفت بالله ألا أفعله، وأريد
أن أبر بيميني!! بل افعلوا الخير وكفروا عن أيمانكم، ((وقيل المعنى : لا تكثروا
الحلف فتجعلوا الله هدفا لأيمانكم، تبتذلون اسمه الأعظم في كل شيء قليل أو
كثير، عظيم أو حقير، إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا فإن الحلاف لا يكون برا ولا
تقياً )) قال ابن عباس : لا تجعلن الله عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر
عن يمينك واصنع الخير
[ أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ] أي لا تجعلوه تعالى سببا مانعا عن البر
والتقوى والإصلاح بين الناس، وقد نزلت في (عبد الله بن رواحة) حين حلف ألا يكلم
ختنه " النعمان بن بشير " ولا يصلح بينه وبين أخته
[ والله سميع عليم ] أي سميع لأقوالكم عليم بأحوالكم.. ثم قال تعالى :
[ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ] أي لا يؤاخذكم بما جرى على لسانكم من ذكر
اسم الله، من غير قصد الحلف، كقول أحدكم : بلى والله، ولا والله، لا يقصد به
اليمين
[ ولكن يؤاخذكم بما كسبتم قلوبكم ] أي يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه
من الأيمان إذا حنثتم فيها
[ والله غفور حليم ] أي واسع المغفرة، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة.
البلاغة :
١- [ يسألونك عن الخمر والميسر ] فيه إيجاز بالحذف أي عن شرب الخمر وتعاطي
الميسر.
٢- [ وإثمهما أكبر من نفعهما ] هذا من باب التفصيل بعد الإجمال وهو ما يسمى فى
البلاغة ب " الإطناب ".
٣- [ كذلك يبين الله لكم الآيات ] فيه تشبيه مرسل مجمل.
٤- [ المفسد من المصلح ] في الآية طباق بين كلمة " المفسد " و " المصلح " وهو من
المحسنات البديعية.
٥- [ يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة ] كذلك يوجد طباق بين كلمة " النار "
وكلمة " الجنة ".
٦- [ قل هو أذى ] فيه تشبيه بليغ، حيث جعله عين الأذى والضرر، فأصبح بليغاً وأصله
الحيض شيء مستقذر كالأذى فحذف ذلك مبالغة على حد قولهم : علي أسد.
٧- [ ولا تقربوهن ] كناية عن الجماع، أي لا تجامعوهن حال الحيض.
٨- [ نساؤكم حرث ] هذا على سبيل التشبيه، فالمرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد
كالنبات الخارج، فالحرث بمعنى المحترث سمي به على سبيل المبالغة.
الفوائد :
الأولى : تسمى الخمر أم الخبائث لأنها سبب في كل فعل قبيح، روى النسائي عن عثمان
رضي الله عنه أنه قال :(اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن قبلكم
متعبد، فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنا ندعوك للشهادة !!
فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة
وضيئة، عندها غلام وباطية خمر، فقالت : إني ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع
علي، أو تشرب من هذه الخمر كأسا أو تقتل هذا الغلام، قال : فاسقيني من هذه الخمر
كأسا، فسقته كأسا، فقال : زيدوني فزادوه، فلم يبرح حتى وقع عليها، وقتل النفس،
فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلا يوشك أن يخرج
أحدهما صاحبه).
الثانية : فإن قيل : كيف يكون في الخمر منافع، مع أنها تذهب بالعقل والمال ؟
والجواب أن المراد بالمنافع في الآية " المنافع المادية " حيث كانوا يتاجرون بها
فيربحون منها الربح الفاحش، ويحتمل أن يراد بالنفع تلك (اللذة والنشوة)
المزعومة التى عبر عنها الشاعر بقوله : ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما
ينهنهنا اللقاء
قال القرطبي : وشارب الخمر يصير ضحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح
وجهه بها، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول : اللهم اجعلنى من التوابين
واجعلنى من المتطهرين، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول : أكرمك الله كما
أكرمتنى.