الثالثة : قال الزمخشري :[ فاعتزلوا النساء ] [ من حيث أمركم الله ] [ فأتوا حرثكم
أنى شئتم ] من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، وهذه وأشباهها فى كلام
الله آداب حسنة، على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها، ويتكلفوا مثلها في
محاورتهم ومكاتبتهم.
قال الله تعالى :[ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر.. إلى.. وتلك حدود
الله يبينها لقوم يعلمون ] من آية (٢٢٦) إلى نهاية آية (٢٣٠).
المناسبة :
ذكر تعالى في الآيات السابقة بعض الأمراض الاجتماعية التي تنخر جسم الأمة، وتحل
عرى الجماعة، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء كالخمر والميسر، ثم انتقل إلى الحديث عن الأسرة باعتبار أنها النواة الأولى لبناء المجتمع الفاضل، فبصلاح الأسرة يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد المجتمع، وابتدأ من أحكام الأسرة بالعلاقة الزوجية ونبه على ضرورة أن يكون الاختيار على أساس الدين، لتظل العلاقة موثقة بروابط المودة والرحمة والإخلاص، ولهذا حرم الإسلام الزواج بالمشركات، وتزويج المشركين بالمؤمنات، ثم بين في هذه الآيات الكريمة بعض الأمراض التي تحل بالأسرة وتهدد كيانها فذكر منها (الإيلاء، والطلاق، والخلع)، وبين العلاج الناجع لمثل هذه المشاكل التي تقوض بنيان الأسرة.
اللغة :
[ يؤلون ] الإيلاء لغة : الحلف يقال : آلى يؤالي إيلاء، قال الشاعر :
فآليت لا أنفك
أحدو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي
وفي الشرع : اليمين على ترك وطء الزوجة
[ تربص ] التربص : الانتظار ومنه [ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ] أي انتظروا
[ فاءوا ] الفيء : الرجوع ومنه قيل للظل فيء، لانه يرجع بعد أن تقلص، قال الفراء :
العرب تقول : فلان سريع الفيء أي سريع الرجوع بعد الغضب، قال الشاعر :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
[ قروء ] جمع قرء اسم يقع على الحيض والطهر، فهو من الأضداد، وأصل القرء :
الاجتماع سمي به الحيض لاجتماع الدم في الرحم، قال في القاموس : القرء بالفتح
ويضم : الحيض والطهر والوقت، وجمع الطهر قروء، وجمع الحيض أقراء
[ بعولتهن ] جمع بعل ومعناه الزوج [ وهذا بعلي شيخا ] والمرأة بعلة
[ درجة ] الدرجة : المنزلة الرفيعة
[ الطلاق ] مصدر طلقت المرأة ومعنى الطلاق : حل عقد النكاح، وأصله الانطلاق
والتخلية يقال : ناقة طالق أي مهملة تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي،
[ تسريح ] التسريح : إرسال الشيء، وسرح الماشية أرسلها، قال الراغب : والتسريح في
الطلاق مستعار من تسريح الإبل، كالطلاق مستعار من إطلاق الإبل.
سبب النزول :
كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء من الطلاق، ثم يراجعها قبل أن تنقضي
عدتها، ولو طلقها ألف مرة، كان له الحق في مراجعتها، فعمد رجل لامرأته فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلين، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فشكت المرأة أمرها للنبي (ص) فأنزل الله [ الطلاق مرتان.. ] الآية.
التفسير :
[ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ] أي للذين يحلفون ألا يجامعوا نساءهم