الطفلة الثالثة، فلا تحل له بعد ذلك حتى تتزوج غيره وتطلق منه، بعد أن يذوق
عسيلتها وتذوق عسيلته، كما صرح به الحديث الشريف، وفي ذلك زجر عن طلاق المرأة ثلاثا، لمن له رغبة في زوجته، لأن كل ذي مروءة يكره أن يفترش امرأته آخر
[ فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ] أي إن طلقها
الزوج الثاني، فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول بعد انقضاء العدة، إن كان ثمة
دلائل تشير إلى الوفاق وحسن العشرة
[ وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ] أي تلك شرائع الله وأحكامه، يوضحها
ويبينها لذوي العلم والفهم، الذين ينظرون في عواقب الأمور.
البلاغة :
١- [ فإن الله سميع عليم ] خرج الخبر عن ظاهره إلى معنى الوعيد والتهديد.
٢- [ والمطلقات يتربصن ] خبر في معنى الأمر وأصل الكلام وليتربص المطلقات، قال
الزمخشري : وإخراج الأمر في صيغة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن
يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجودا، وبناؤه
على المبتدأ مما زاده فضل تأكيد.
٣- [ إن كن يؤمن بالله ] ليس الغرض منه التقييد بالإيمان، بل هو للتهييج وتهويل
الأمر في نفوسهن، لأن الكلام مع المؤمنات!
٤- [ ولهن مثل الذي عليهن ] فيه إيجاز وإبداع لا يخفى على المتمكن من علوم
البيان، فقد حذف من الأول بقرينة الثاني، ومن الثاني بقرينة الأول والمعنى : لهن
على الرجال من الحقوق، مثل الذي للرجال عليهن من الحقوق وفيه من المحسنات
البديعية أيضا " الطباق " بين " لهن " و " عليهن " وهو طباق بين حرفين.
٥- [ فإمساك بمعروف ] بين لفظ " إمساك " ولفظ " تسريح " طباق أيضا.
٦- [ تلك حدود الله ] وضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة وإدخال الروعة
في النفوس، وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد.
٧- [ فأولئك هم الظالمون ] هو من باب قصر الصفة على الموصوف.
فائدة :
أول خلع كان في الإسلام في امرأة (ثابت بن قيس) أتت رسول الله (ص) فقالت يا
رسول الله : لا يجمع الله رأسي ورأسه شيء أبدا، والله ما أعيب عليه في خلق ولا
دين، ولكن أكره الكفر بعد الإسلام، فقال لها عليه الصلاة والسلام : أتريدين عليه
حديقته ؟ قالت : نعم، ففرق بينهما.
لطيفة :
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن
تتزين لي، لأن الله تعالى يقول [ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ] وهذا استدلال
منه لطيف.
قال الله تعالى :[ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن.. إلى.. والله يعلم وأنتم لا
تعلمون ] من آية (٢٣١) إلى نهاية آية (٢٣٢).
المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن أحكام الطلاق وتوضح طريقته وشروطه وآدابه،
وتنهى عن الإيذاء والإضرار، فوجه المناسبة إذا ظاهر.
اللغة :
[ فبلغن أجلهن ] أي قاربن الانتهاء من العدة
[ ضرارا ] أي بقصد الإضرار، قال القفال : الضرار هو المضارة كقوله [ مسجدا ضرارا ]
أي ليضاروا المؤمنين
[ تعضلوهن ] العضل : المنع والتضييق يقال : أعضل الأمر أي أشكل وضاقت فيه الحيل،
وداء عضال أي عسيرا أعيا الأطباء، قال الأزهري : وأصله من عضلت الناقة إذا نشب
ولدها فلم يسهل خروجه
[ يوعظ به ] يوصى ويؤمر به
[ أزكى ] أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة
[ وأطهر ] الطهارة : التنزه عن الدنس والمعاصي.
سبب النزول :
روي أن " معقل بن يسار " زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد النبى (ص) فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب فقال له : يا لكع " أي يا لئيم " أكرمتك بها وزوجتك فطلقتها!! والله لا