يدري هل تشق عليه المفارقة أو لا ؟ فإذا فارقه فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع، لعظمت المشقة على الإنسان إذ قد تظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة، أثبت تعالى حق المراجعة مرتين، وهذا يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده.
قال الله تعالى :[ والوالدات يرضعن أولادهن حولين.. إلى.. ولا تنسوا الفضل
بينكم إن الله بما تعملون بصير ] من آية (٢٣٣) إلى نهاية آية (٢٣٧).
المناسبة :
لما ذكر تعالى جملة من الأحكام المتعلقة بالنكاح، والطلاق والعدة، والرجعة، ذكر
في هذه الآية الكريمة (حكم الرضاع) لأن الطلاق يحصل به الفراق، فقد يطلق الرجل
زوجه ويكون لها طفل ترضعه، وربما أضاعت الطفل أو حرمته الرضاع، انتقاماً من
الزوج، وإيذاء له في ولده، لذلك جاءت هذه الآية لندب الوالدات المطلقات، إلى
رعاية الأطفال والاهتمام بشأنهم.
اللغة :
[ فصالا ] الفصال والفصل : الفطام، سمى به لأن الولد ينفصل عن لبن أمه إلى غيره من
الأقوات، قال المبرد : الفصال أحسن من الفصل، لأنه إذا انفصل عن أمه، فقد انفصلت
عنه، فبينهما فصال كالقتال والضراب
[ تشاور ] : استخراج الرأي ومثله المشاورة والمشورة، مأخوذ من الشور وهو استخراج
العسل
[ يذرون ] يتركون، وهذا الفعل لا يستعمل منه الماضي ولا المصدر
[ عرضتم ] التعريض : الإيماء والتلويح من غير كشف وإظهار، مأخوذ من عرض الشيء أي
جانبه، كقول الفقير للمحسن : جئت لأنظر إلى وجهك الكريم
[ خطبة ] بكسر الخاء طلب النكاح، وبالضم الموعظة كخطبة الجمعة والعيدين
[ أكننتم ] سترتم وأضمرتم والإكنان : السر والخفاء
[ عقدة النكاح ] من العقد وهو الشد، وفي المثل " يا عاقد اذكر حلا " قال الراغب :
العقدة اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما
[ حليم ] يمهل العقوبة فلا يعجل بها للعاصي
[ المقتر ] الفقير يقال : أقتر الرجل إذا افتقر.
سبب النزول :
روي أن رجلا من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهرا، ثم طلقها
قبل أن يمسها، فنزلت الآية [ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ] فقال
له النبي (ص) " متعها ولو بقلنسوتك ".
التفسير :
[ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ] أي الواجب على الأمهات أن يرضعن
أولادهن لمدة سنتين كاملتين
[ لمن أراد أن يتم الرضاعة ] أي إذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة ولا زيادة عليه
[ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ] أي وعلى الأب نفقة الوالدات المطلقات
وكسوتهن بما هو متعارف، بدون إسراف ولا تقتير، لتقوم بخدمته حق القيام
[ لا تكلف نفس إلا وسعها ] أي تكون النفقة بقدر الطاقة لأنه تعالى لا يكلف نفسا
إلا وسعها
[ لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ] أي لا يضر الوالدان بالولد فيفرطا
في تعهده، ويقصرا في ما ينبغي له، أو يضار أحدهما الآخر بسبب الولد، فترفض الأم
إرضاعه لتضر أباه بتربيته، وينتزع الأب الولد منها إضرارا بها مع رغبتها في
إرضاعه، ليغيظ أحدهما صاحبه، قاله مجاهد [ وعلى الوارث مثل ذلك ] أي وعلى الوارث مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على الأم، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها، والمراد به (وارث الأب) وقيل : وارث الصبي، والأول اختيار الطبري
[ فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ] أي فإذا اتفق الوالدان
على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له بعد التشاور، فلا إثم عليهما
[ وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ]
أي وإن أردتم أيها الآباء أن تطلبوا مرضعة لولدكم غير الأم، بسبب عجزها أو
إرادتها الزواج، فلا إثم عليكم شريطة أن تدفعوا لها ما اتفقتم عليه من الأجر،