الصلوات في أوقاتها، وبخاصة (صلاة العصر) فإن الملائكة تشهدها
[ وقوموا لله قانتين ] أي داوموا على العبادة والطاعة بالخشوع والخضوع، وقوموا
لله فى صلاتكم خاشعين
[ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ] أي فإذا كنتم في خوف من عدو أو غيره، فصلوا ماشين
على الأقدام أو راكبين على الدواب
[ فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ] أي فإذا زال الخوف
وجاء الأمن، فأقيموا الصلاة مستوفية لجميع الأركان، كما أمركم الله وعلى الوجه
الذي شرعه لكم، وهذه الآية كقوله [ فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ] والذكر في
الآية يراد به (الصلاة) الكاملة المستوفية للأركان، قال الزمخشري : المعنى :
اذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علمكم من الشرائع، وكيف تصلون في حال الخوف
والأمن.. ثم قال تعالى مبيناً أحكام العدة [ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ]
أي والذين يموتون من رجالكم ويتركون زوجاتهم على هؤلاء أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا، ينفق عليهن من تركته، ولا يخرجن من مساكنهن
– وكان ذلك في أول الإسلام – ثم نسخت المدة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام
[ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف ] أي فإن خرجن مختارات
راضيات، فلا إثم عليكم يا أولياء الميت في تركهن أن يفعلن ما لا ينكره الشرع،
كالتزين والتطيب والتعرض للخطاب إذا انتهت عدتهن [ والله عزيز حكيم ] أي هو سبحانه غالب في ملكه، حكيم في صنعه
[ وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ] أي واجب على الأزواج أن يمتعن
المطلقات بقدر استطاعتهم، جبرا لوحشة الفراق، وهذه المتعة حق لازم على المؤمنين
المتقين لله
[ كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ] أي مثل ذلك البيان الشافي، الذي يوجه
النفوس نحو المودة والرحمة، يبين الله سبحانه لكم آياته الدالة على أحكامه
الشرعية، لتعقلوا ما فيها وتعملوا بموجبها.
البلاغة :
١- [ الصلاة الوسطى ] هو من باب عطف " الخاص على العام " لبيان مزيد فضل صلاة
العصر.
٢- [ فإن خفتم ] [ فإذا أمنتم ] بين لفظ " خفتم " و " أمنتم " طباق، وهو من المحسنات
البديعية، قال أبو السعود : وفي إيراد الشرطية بكلمة " إن " المنبئة عن عدم تحقق
وقوع الخوف، وإيراد الثانية بكلمة " إذا " المنبئة عن تحقق وقوع الأمن وكثرته مع
الإيجاز في جواب الأولى والإطناب في جواب الثانية، من الجزالة ولطف الاعتبار،
ما فيه عبرة لأولي الأبصار.
تنبيه :
الصلاة الوسطى على الراجح من الأقوال هي (صلاة العصر) لأنها وسط بين الفجر
والظهر والمغرب والعشاء، ويقوي هذا ما ورد في الصحيحين " شغلونا عن الصلاة
الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " وفي الحديث " الذي تفوته صلاة
العصر فكأنما وتر أهله وماله " أخرجه الشيخان وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة
الدالة على فضل صلاة العصر وأهميتها.
قال الله تعالى :[ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف.. إلى.. وإنك لمن
المرسلين ] من آية (٢٤٢) إلى نهاية آية (٢٥٢).
المناسبة :
لما ذكر تعالى أحكام الأسرة، ذكر بعدها أحكام الجهاد، وذلك لحماية العقيدة
وصيانة المقدسات، وتأمين البيئة الصالحة للأسرة المسلمة، فلا صلاح للأسرة إلا
بصلاح المجتمع، ولا بقاء لها ولا خلود إلا ببقاء الحق وأنصاره، ولهذا أمر تعالى
بالقتال وضرب عليه الأمثال بالأمم السابقة، كيف جاهدت في سبيل الحق، وانتصرت
القلة مع إيمانها على الكثرة مع كفرها وطغيانها، فليست العبرة بكثرة أنصار
الباطل، بل بصمود أهل الحق، والتزامهم له وجهادهم في سبيله.
اللغة :
[ ألوف ] جمع ألف جمع كثرة وفي القلة آلاف، ومعناه كثرة كاثرة وألوف مؤلفة


الصفحة التالية
Icon