[ حذر ] خشية وخوف
[ يقبض ويبسط ] القبض : ضم الشيء والجمع عليه والمراد به هنا التقتير، والبسط ضده
والمراد به التوسيع قال أبو تمام :
تعود بسط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله.
[ الملأ ] الأشراف من الناس سموا بذلك لأنهم يملأون العين مهابة وإجلالا
[ فصل ] انفصل من مكانه يقال : فصل عن الموضع انفصل عنه وجاوزه
[ مبتليكم ] مختبركم
[ يظنون ] يستيقنون ويعلمون
[ فئة ] الفئة : الجماعة من الناس لا واحد له كالرهط والنفر
[ أفرغ ] أفرغ الشيء صبه وأنزله.
التفسير :
[ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ] أي ألم يصل إلى سمعك أيها
المخاطب، حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة
[ حذر الموت ] أي خوفا من الموت وفرارا منه، والغرض من الاستفهام التعجيب
والتشويق إلى سماع قصتهم، وكانوا سبعين ألفا
[ فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ] أي أماتهم الله ثم أحياهم، وهم قوم من بني
إسرائيل، دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا خوفا من الموت فأماتهم الله، ثمانية
أيام ثم أحياهم بدعوة نبيهم " حزقيل " فعاشوا بعد ذلك دهرا، وقيل : هربوا من
الطاعون فأماتهم الله، قال ابن كثير : وفي هذه القصة عبرة على أنه لا يغني حذر
من قدر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه
[ إن الله لذو فضل على الناس ] أي ذو إنعام وإحسان على الناس، حيث يريهم من
الآيات الباهرة والحجج القاطعة، ما يبصرهم بما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة
[ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ] أي لا يشكرون الله على نعمه، بل ينكرون ويجحدون
[ وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ] أي قاتلوا الكفار لإعلاء دين
الله، لا لحظوظ النفس وأهوائها، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم
وأحوالكم، فيجازيكم عليها، وكما أن الحذر لا يغني من القدر، فكذلك الفرار من
الجهاد لا يقرب أجلا ولا يبعده
[ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ] أي من الذي يبذل
ماله وينفقه في سبيل الخير ابتغاء وجه الله، ولإعلاء كلمة الله في الجهاد وسائر
طرق الخير، فيكون جزاؤه أن يضاعف الله تعالى له ذلك القرض أضعافاً كثيرة ؟ لأنه
قرض لأغنى الأغنياء رب العالمين جل جلاله، وفي الحديث (من يقرض غير عديم ولا
ظلوم)
[ والله يقبض ويبسط ] أي يقتر على من يشاء ويوسع على من يشاء ابتلاء وامتحاناً
[ وإليه ترجعون ] أي يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم
[ ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ] أي ألم يصل خبر القوم إليك ؟ وهو
أسلوب تعجيب وتشويق للسامع كما تقدم، وكانوا من بني إسرائيل وبعد وفاة موسى
عليه السلام كما دلت عليه الآية
[ إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ] أي حين قالوا لنبيهم
" شمعون " – وهو من نسل هارون – أقم لنا أميرا واجعله قائدا لنا لنقاتل معه
الأعداء في سبيل الله
[ قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ] أي قال لهم نبيهم : أخشى أن
يفرض عليكم القتال، ثم لا تقاتلون عدوكم، وتجبنون عن لقائه
[ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ] أي أي
سبب لنا في ألا نقاتل عدونا، وقد أخذت منا البلاد، وسبيت الأولاد ؟ قال تعالى
بيانا لما انطوت عليه نفوسهم من الهلع والجبن
[ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ] أي لما فرض عليهم القتال، نكل
أكثرهم عن الجهاد، إلا فئة قليلة منهم صبروا وثبتوا، وهم الذين عبروا النهر مع
طالوت، قال القرطبي : وهذا شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدعة، تتمنى الحرب
أوقات الأنفة، فإذا حضرت الحرب جبنت وانقادت لطبعها
[ والله عليم بالظالمين ] وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد عصيانا لأمره تعالى