[ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ] أي أخبرهم نبيهم بأن الله
تعالى قد ملك عليهم (طالوت) ليكونوا تحت إمرته، في تدبير أمر الحرب، واختاره
ليكون أميرا عليهم
[ قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ] ؟ أي
قالوا معترضين على نبيهم : كيف يكون ملكا علينا والحال أننا أحق بالملك منه ؟ لان
فينا من هو من أولاد الملوك، وهو مع هذا فقير لا مال له، فكيف يكون ملكا علينا ؟
[ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ] أي أجابهم نبيهم على
ذلك الاعتراض فقال إن الله اختاره عليكم، وهو أعلم بالمصالح منكم، والعمدة في
الاختيار أمران :(العلم) ليتمكن به من معرفة أمور السياسة، والأمر الثاني (قوة
البدن) ليعظم خطره في القلوب، ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الشدائد، وقد
خصه الله تعالى منهما بحظ وافر، قال ابن كثير : ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا
علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه،
[ والله يؤتي ملكه من يشاء ] أي يعطي الملك لمن شاء من عباده من غير إرث أو مال
[ والله واسع عليم ] أي واسع الفضل عليم بمن هو أهل له فيعطيه إياه.. ولما طلبوا
آية تدل على اصطفاء الله لطالوت أجابهم إلى ذلك
[ وقال لهم نبيهم إن آية ملكه ] أي علامة ملكه واصطفائه عليكم
[ أن يأتيكم التابوت ] أي يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم، وهو كما قال
الزمخشري :(صندوق التوراة) الذي كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه أمامه،
فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون
[ فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ] أي في
التابوت السكون والطمأنينة والوقار، وفيه أيضا بقية من آثار آل موسى وآل هارون
وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التى كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة، قال
ابن عباس : جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي
طالوت والناس ينظرون
[ إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ] أي إن في نزول التابوت لعلامة واضحة أن
الله اختاره ليكون ملكا عليكم، إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر
[ فلما فصل طالوت بالجنود ] أي خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس، وجاوزه وكانوا
(ثمانين ألفا)، أخذ بهم في أرض قفرة فأصابهم حر وعطش شديد
[ قال إن الله مبتليكم بنهر ] أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة المشهور بين
الأردن وفلسطين
[ فمن شرب منه فليس مني ] أي من شرب منه فلا يصحبني – وأراد بذلك أن يختبر
إرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب.
[ ومن لم يطعمه فإنه مني ] أي من لم يشرب منه ولم يذقه فإن من جندى الذين يقاتلون
معي
[ إلا من اغترف غرفة بيده ] أي لكن من اغترف قليلا من الماء ليبل عطشه وينقع غلته
فلا بأس بذلك، فأذن لهم برشفة من الماء تذهب بالعطش
[ فشربوا منه إلا قليلا منهم ] أي شرب الجيش منه إلا فئة قليلة صبرت على العطش،
قال السدي : شرب منه ستة وسبعون ألفا وتبقى معه أربعة آلاف
[ فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ] أي لما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش
والتعب، ورأوا كثرة عدوهم اعتراهم الخوف فقال فريق منهم
[ قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ] أي لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع
قائد جيشهم (جالوت)، فنحن قلة وهم كثرة كاثرة
[ قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ] أي قال الذين يعتقدون بلقاء الله، وهم
الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت
[ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ] أي كثيرا ما غلبت الجماعة القليلة
الجماعة الكثيرة، بإرادة الله ومشيئته، فليس النصر عن كثرة العدد وإنما النصر
من عند الله