[ والله مع الصابرين ] أي معهم بالحفظ والرعاية والتأييد، ومن كان الله معه فهو
منصور بحول الله
[ ولما برزوا لجالوت وجنوده ] أي ظهروا في الفضاء المتسع وجها لوجه، أمام ذلك
الجيش الجرار، جيش (جالوت) المدرب على الحروب
[ قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ] دعوا الله ضارعين إليه بثلاث دعوات تفيد إدراك
أسباب النصر فقالوا أولا : ربنا أفض علينا صبرا يعمنا في جمعنا وفي خاصة نفوسنا
لنقوى على أعدائك
[ وثبت أقدامنا ] أي ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلا إلى قلوبنا وهي
الدعوة الثانية
[ وانصرنا على القوم الكافرين ] أي انصرنا على من كفر بك وكذب رسلك، وهم جالوت
وجنوده وهي الدعوة الثالثة !! قال تعالى إخباراً عنهم
[ فهزموهم بإذن الله ] أي هزموا جيش جالوت بنصر الله وتأييده إجابة لدعائهم
وانكسر عدوهم رغم كثرته
[ وقتل داود جالوت ] أي وقتل داود – وكان في جيش المؤمنين مع طالوت – رأس الطغيان جالوت واندحر جيشه [ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ] أي أعطى الله تعالى (داود) الملك والنبوة، وعلمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاضه عليه، قال ابن كثير : كان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له، ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة
العظيمة
[ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ] أي لولا أن يدفع الله شر
الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الحياة، لأن الشر إن غلب كان الخراب والدمار
[ ولكن الله ذو فضل على العالمين ] أي ذو تفضل وإنعام على البشر، حيث لم يمكن
للشر من الاستعلاء
[ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ] أي ما قصصنا عليك يا محمد من الأمور
الغريبة، والقصص العجيبة التى وقعت في بني إسرائيل، هي من آيات الله وأخباره
المغيبة، التي أوحاها إليك بالحق بواسطة جبريل الأمين
[ وإنك لمن المرسلين ] أي وإنك يا محمد لمن جملة الرسل، الذين أرسلهم الله لتبليغ
دعوة الله عز وجل للناس.!
البلاغة :
١- قال أبو حيان : تضمنت الآية الكريمة من ضروب البلاغة وصنوف البيان أمورا
كثيرة منها الاستفهام الذي أجري مجرى التعجب في قوله [ ألم تر إلى الذين ] والحذف
بين [ موتوا ثم أحياهم ] أي " فماتوا " ثم أحياهم، والطباق في قوله [ موتوا ] و[ أحياهم ] وكذلك في قوله [ يقبض ] و[ يبسط ] والتكرار في قوله [ فضل على الناس ] و
[ ولكن أكثر الناس ] والالتفات في [ وقاتلوا في سبيل الله ] والتشبيه بدون الأداة
في قوله [ قرضا حسنا ] شبه قبوله تعالى إنفاق العبد في سبيله بالقرض الحقيقي
فأطلق اسم القرض عليه، والتجنيس المغاير في قوله [ فيضاعفه ] وقوله [ أضعافا ]
٢- [ أفرغ علينا صبرا ] فيه استعارة تمثيلية، فقد شبه حالهم والله تعالى يفيض
عليهم الصبر، بحال الماء يصب ويفرغ على الجسم فيعمه كله، ظاهره وباطنه فيلقي في
القلب برداً وسلاماً، وهدوءاً واطمئناناً.
الفوائد :
الأولى : أسند الاستقراض إلى الله في قوله [ من ذا الذي يقرض الله ] وهو المنزه عن
الحاجات، ترغيبا في الصدقة، كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان، إلى
نفسه تعالى في قوله جل وعلا في الحديث القدسي [ ابن آدم مرضت فلم تعدني ] و
(استطعمتك فلم تطعمني) و(استسقيتك فلم تسقني) تعظيما وتفخيما لشأن الإحسان
للعباد.
الثانية : روي أنه لما نزلت الآية الكريمة جاء " أبو الدحداح الانصاري " إلى رسول
الله (ص) فقال يا رسول الله : وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا
الدحداح! قال : أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي
– أي بستاني وكان فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها – فجاء أبو الدحداح


الصفحة التالية
Icon