[ ويجعلون لله ما يكرهون ] أى يجعلون له تعالى البنات مع كراهتهم لهن، وهو تأكيد لما سبق، للتقريع والتوبيخ
[ وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ] أى يجعلون لله ما يجعلون، ومع ذلك يزعمون أنْ لهم العاقبة الحسنى عند الله، وأنهم أهل الجنة
[ لا جرم أن لهم النار ] أى حقا أن لهم مكان ما أملوا نار جهنم، التي ليس وراء عذابها عذاب
[ وأنهم مفرطون ] أى معجلون إليها ومُقدمون (( هذا قول قتادة والحسن من ( الفرط ) وهو السابق إلى طلب الماء، وقال مجاهد :" مفرطون " متروكون منسيون في النار )).. ثم ذكر تعالى نعمته في إرسال الرسل، ليتأسى صلوات الله عليه بهم في الصبر على تحمل الأذى فقال سبحانه :
[ تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم ] أى والله لقد بعثنا قبلك يا محمد رسلا إلى أقوامهم، فحسن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة، حتى كذبوا الرسل، وردوا عليهم ما جاءوهم به من البينات
[ فهو وليهم اليوم ] أى فالشيطان ناصرهم اليوم فى الدنيا وبئس الناسر
[ ولهم عذاب أليم ] أى ولهم فى الآخرة عذاب مؤلم
[ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه ] أى ما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين للناس، الذى اختلفوا فيه من الدين والأحكام، لتقوم الحجة عليهم
[ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ] أى وأنزلنا القرآن هداية للقلوب، ورحمة وشفاء لمن آمن به.. ثم ذكر تعالى عظيم قدرته الدالة على وحدانيته، فقال سبحانه :
[ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ] أى أنزل بقدرته الماء من السحاب، فأحيا بذلك الماء النبات والزرع بعد جدب الأرض ويُبسها
[ إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ] أى إن في هذا الإحياء لدلالة باهرة على عظيم قدرته، لقوم يسمعون التذكير، فيتدبرونه ويعقلونه
[ وأن لكم في الأنعام لعبرة ] أى وإن لكم أيها الناس فى هذه الأنعام (الإبل والبقر والضأن والمعز) لعظة وعبرة يعتبر بها العقلاء، ففي خلقها وتسخيرها دلالة على قدرة الله، وعظمته ووحدانيته
[ نسقيكم مما قي بطونه ] أى نسقيكم من بعض الذي في بطون هذه الأنعام
[ من بين فرث ودم لبنا خالصا ] أى من بين الروث والدم ذلك الحليب الخالص واللبن النافع (( قال الزمخشري : والآية بيان للعبرة فإن الله سبحانه يخلق اللبن، وسطا بين الفرث والدم يكتنفانه، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله، لا يبغي أحدهما عليه بلون، ولا طعم، ولا رائحة، فسبحان الله ما أعظم قدرته، وألطف حكمته لمن تفكر وتأمل ))
[ سائغا للشاربين ] أى سهل المرور في حلقهم، لذيذا هينا لا يغض به من شربه
[ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ] أى ولكم مما أنعم الله به عليكم، من ثمرات النخيل والأعناب ما تجعلون منه خمرا يسكر، قال الطبري : وإنما نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر، ثم حُرًمت بعد
[ ورزقا حسن ] كالتمر والزبيب، قال ابن عباس : الرزق الحسن : ما أُحل من ثمرتها، والسكر : ما حرم من ثمرتها.
[ إن فى ذلك لآية لقوم يعقلون ] أى لآية باهرة، ودلالة قاهرة على وحدانيته سبحانه، لقوم يتدبرون بعقولهم، قال ابن كثير : وناسب ذكرُ العقل هنا، لأنه أشرف ما في الإنسان، ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانة لعقولها.. ولما ذكر تعالى ما يدلى على باهر قدرته، وعظيم حكمته، من إخراج اللبن من بين فرث ودم، وإخراج الرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، ذكر إخراج (العسل ) الذي جعله شفاء للناس من النحل، وهي حشرة ضعيفة وفيها عجائب بديعة وأمور غريبة، وكل هذا يدل على وحدانية الصانع وقدرته وعظمته، فقال تعالى :