[ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ] المراد من الوحي : الإلهامُ والهداية، أى ألهمها مصالحها وأرشدها إلى بناء بيوتها المسدسة العجيبة تأوي إليها في ثلاثة أمكنة :(الجبال، والشجر، والأكوار) التي يبنيها الناس
[ ثم كلي من كل الثمرات ] أى كلي من كل الأزهار والثمار، التي تشتهينها من الحلو، والمر، والحامض، فإن الله بقدرته يحيلها إلى عسل!
[ فاسلكي سبل ربك ذللا ] أى ادخلي الطرق في طلب المرعى، حال كونها مسخرة لك، لا تَضِلين قي الذهاب ولا الإياب
[ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ] أى يخرج من بطون النحل عسل متنوع، منه أحمر، وأبيض، وأصفر، فيه شفاء للناس من كثيرِ من الأمراض، قال الرازي : فإن قالوا : كيف يكون شفاء للناس وهو يضر بالصفراء ؟ فالجواب أنه تعالى لم يقل : إنه شفاء لكل الناس، ولكل داء، وفي كل حال، بل لنا كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء، صلح بأن يوصف بأن فيه شفاء،
[ إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون ] أى لعبرة لقوم يتفكرون في عظيم قدرة الله، وبديع صنعه
[ والله خلقكم ثم يتوفاكم ] أى خلقكم بقدرته بعد أن لم تكونوا شيئا، ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم
[ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ] أى يُرد إلى أردء وأضعف العمر، وهو الهَرم والخرف
[ لكي لا يعلم بعد علم شيئاَ ] أى لينسى ما تعلمه، فيشبه الطفل فى نقصان القوة والعقل
[ أن الله عليم قدير ] أى عليم بتدبير خلقه، قدير على ما يريده، فكما قدر على نقل الإنسان من العلم إلى الجهل، فإنه قادر على إحيائه بعد إماتته، قال عكرمة : من قرأ القرآن لم يُرد إلى أرذل العمر
[ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ] أى فاوت بينكم في الأرزاق، فهذا غنى وذاك فقير، وهذا مالك وذاك مملوك
[ فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ] أى ليس هؤلاء الأغنياء بمشركين لعبيدهم المماليك، فيما رزقهم الله من الأموال، حتى يستووا في ذلك مع عبيدهم، وهذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين، إنهم لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ؟
[ أفبنعمة الله يجحدون ] الاستفهام للإنكار أى أيشركون معه غيره وهو المنعم المتفضل عليهم ؟
[ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ] أى هو تعالى بقدرته خلق لكم النساء من جنسكم وشكلكم، ليحصل الائتلاف والمودة والرحمة بينكم
[ وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ] أى جعل لكم من هؤلاء الزوجات : الأولاد وأولادَ الأولاد، سموا حفدة لأنهم يخدمون أجدادهم ويسارعون في طاعتهم
[ ورزقكم من الطيبات ] أى رزقكم من أنواع اللذائذ، من الثمار والحبوب والحيوان
[ أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ] أى أبعد تحقق ما ذُكر من نعم الله، يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن ؟ وهو استفهام للتوبيخ والتقريع
[ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ] أى ويعبد هؤلاء المشركون أوثانا لا تقدر على إنزال مطر، ولا على إخراج زرع أو شجر، ولا تقدر أن ترزقهم قليلاا أو كثيرا
[ ولا يستطيعون ] أى ليس لها ذلك، ولا تقدر عليه لو أرادت
[ فلا تضربوا لله الأمثال ] أى لا تمثلوا لله الأمثال، ولا تشبهوا له الأشباه، فإنه تعالى لا مثيل له ولا نظير، ولا شبيه
[ إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ] أى يعلم كل الحقائق، وأنتم لا تعلمون قدر عظمة الخالق جل وعلا! !
البلاغة :
تضمت الآيات الكريمة من صنوف البيان والبديع ما يلي :
١ - الإلتفات من التكلم إلى الغيبة وبالعكس [ فإياى فارهبون ] لتربية المهابة والرهبة في القلوب مع إفادة القصر أى لا تخافوا غيرى.


الصفحة التالية
Icon