[ هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ] أى هل يتساوى هذا الأخرص، وذلك الرجل البليغ المتكلم بأفصح بيان، وهو على طريق الحق والاستقامة، مستنير بنور القرآن ؟ وإذا كان العاقل لا يسوى بين هذين الرجلين، فكيف تمكن التسوية بين صنم أو حجر ؟ وبين الله سبحانه وهو القادر العليم، الهادي إلى الصراط المستقيم ؟ (( قال الأمام ابن القيم : ذكر الله تعالى مثلين : فالمثل الأول : ضربه لنفسه سبحانه والأوثان، فالله هو المالك لكل شىء، ينفق كيف يشاء على عبيده سرا وجهرا، وليلا ونهارا، والاوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شيء، فكيف يجعلونها شركاء إلى ويعبدونها من دوني ؟ مع التفاوت العظيم والفرق المبين ؟ وأما المثل الثاني : فالصنم الذى يعبد من دونه بمنزلة رجل أبكم، لا يعقل ولا ينطق، بل هو أبكم القلب واللسان، ومع هذا لا يقدر على شيء البتة، أينما أرسلته لا يأتيك بخير، ولا يقضي لك حاجة، والله سبحانه حى قادر، متكلم، يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد ))
[ ولله غيب السموات والأرض ] أى هو سبحانه المختص بعلم الغيب، يعلم ما غاب عن الأبصار، في السموات والأرض، لا يخفى عليه منها شيء
[ وما أمر الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب ] أى ما شأن القيامة قي سرعة المجيء، إلا كنظرة سريعة بطرف العين، بل هو أقرب، لأنه تعالى يقول للشيء : كن فيكون، وهذا تمثيل لسرعة مجيئها، ولذلك قال :
[ ان الله على كل شيء قدير ] أى قادر على كل الأشياء، ومن جملتها (القيامة) التي يكتب بها الكافرون
[ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ] أى أخرجكم من أرحام الأمهات، لا تعرفون شيئا أصلا
[ وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ] أى خلق لكم الحواس، التي بها تسمعون، وتبصرون وتعقلون، لتشكروه على نعمه، وتحمدوه على آلائه
[ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ] أى ألم يشاهدوا الطيور مذللات للطيران، فى ذلك الفضاء الواسع بين السماء والأرض ؟
[ ما يمسكهن إلا الله ] أى ما يمسكهن عن السقوط عند قبض أجنحتهن وبسطها، إلا هو سبحانه
[ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] أى إن فيما ذُكر لآيات ظاهرة، وعلامات باهرة على وحدانيته تعالى، لقوم يصدقون بوجوده وبما جاءت به رسل الله
[ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ] هذا تعداد لنعم الله على العباد، أى جعل لكم هذه البيوت من الحجر والمدر، لتسكنوا فيها أيام مُقامكم في أوطانكم
[ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً ] أى وجعل لكم بيوتا اُخرى وهى الخيام والقُباب، المتخذة من الشعر والصوف والوبَر
[ تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ] أى تستخفُون حملها ونقلها في أسفاركم، وهي خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضَر
[ ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ] أى وجعل لكم من صوف الغنم، ووبر الإبل، وشعر المعز، ما تلبسون وتفرشون به بيوتكم
[ ومتاعا إلى حين ] أى تنتفعون وتتمتعون بها إلى حين الموت
[ والله جعل لكم مما خلق ظلالا ] أى جعل لكم من الشجر والجبل والأبنية وغيرها، ظلالا تتقون بها حز الشمس
[ وجعل لكم من الجبال أكنانا ] أى وجعل لكم في الجبال مواضع تسكنون فيها كالكهوف والحصون، قال الرازي : لما كانت بلادُ العرب شديدة الحر، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة، فلهذا ذكر تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة
[ وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ] أى جعل لكم الثياب من القطن والصوف والكتان، لتحفظكم من الحر والبرد، واكتفى بذكر الحرً عن البرد، لدلالة اللفظ عليه
[ وسرابيل تقيكم بأسكم ] أى ودروعا تشبه الثياب، تتقون بها شر أعدائكم في الحرب