٢ - عن ابن عباس أن المشركين أخذوا (عمار بن ياسر) وأباه (ياسرا) وأمه (سُمية) وصهيبا وبلالا فعذبوهم، وربطت " سُميًة " بين بعيرين ووُجىء قُبُلها بحربة فقتلت، وقتل زوجها ياسر - وهما أول قتيلين في الإسلام - وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكرها، فشكا ذلك إلى رسول الله (ص) فقال له الرسول الكريم : كيف نجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فقال رسول الله (ص) : فإن عادوا فعد وأنزل الله [ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ] الآية.
التفسير :
[ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ] أى حافظوا على العهود التي عاهدتم عليها الرسول أو الناس، وأدوها على الوفاء والتمام
[ ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ] أى ولا تنقضوا أيمان البيعة، بعد توثيقها بذكر الله تعالى
[ وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ] أى جعلتم الله شاهدا ورقيبا على تلك البيعة
[ إن الله يعلم ما تفعلون ] أى عليم بأفعالكم، وسيجازيكم عليها
[ ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاَ ] هذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده، شبهت الآية الذى يحلف ويعاهد، ويُبرم عهده ثم ينقضه، بالمرأة التى تغزل غزلها وتفتله محكما، ثم تحلُه أنكاثاَ أى أنقاضاَ، قال المفسرون : كان بمكة امرأة حمقاء تغزل غزلها ثم تنقضه، وكان الناس بقولون : ما أحمق هذه !!
[ تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ] أى تأخزن أيمانكم خديعة ومكرا، تخدعون بها الناس
[ أن تكون أمة هى أربى من أمة ] أي لأجل أن تكون أمة أكثر عددا وأوفر مالا من غيرها !! قال مجاهد : كانوا بحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك
[ إنما يبلوكم الله به ] أى إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهد، لينظر المطيع من العاصى
[ وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ] أى ليجازي كل عامل! بعمله من خير وشر
[ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ] أى لو شاء الله لخلق الناس باستعداد واحد، وجعلهم أهل ملةِ واحدة، لا يختلفون ولا يفترون
[ ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ] أى ولكن اقتضت حكمته أن يتركهم لاختيارهم، ناس للسعادة، وناس للشقاوة، فيضل من يشاء بخذلانه لهم عدلا، ويهدي من يشاء بتوفيقه إياهم فضلا
[ ولتسألن عما كنتم تعملون ] أى ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم، فيجازيكم على الفتيل والقطمير
[ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ] كرره تاكيدأ ومبالغة في تعظيم شأن العهود أى لا تعقدوا الأيمان وتجعلوها خديعة ومكرا تغرون بها الناس، لتحصلوا على بعض منافع الدنيا الفانية (( قال فى الظلال :" واتخاذ الأيمان غشا وخداعا يزعزع العقيدة في الضمير، ويشوه صورتها في ضمائر الاخرين، فالذي يقسم وهو يعلم أنه خادع في قسمه، لا يمكن أن تثبت له عقيدة ولا أن تثبت له قدم على صراطها، وهو في الوقت نفسه يشوه صورة العقيدة عند من يقسم لهم ثم ينكث، ويعلمون أن أقسامه كانت للغش والدخل، ومن ثم يصدهم عن سبيل الله، بهذا المثل السيىء الذي يضربه للمؤمنين بالله " ))
[ فتزل قدم بعد ثبوتها ] أى فتزل أقدامكم عن طريق الاستقامة وعن محجة الحق بعد رسوخها فيه، قال ابن كثير : هذا مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فَيُصَد بسببه عن الدخول فى الإسلام ولهذا قال :
[ وتذوقوا السوء بما صدتم عن سبيل الله ] أى يصيبكم العقاب الدنيوي العاجل، الذي يسوءكم لصدكم غيركم عن اعتناق الإسلام بسبب نقض العهود
[ ولكم عذاب عظيم ] أى ولكم في الآخرة عذاب شديد هائل في نار جهنم