[ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ] أى كل إنسان مرهون بعمله، مجزي به، وعملُه ملازم له لزوم القلادة للعُنُق، لا ينفك عنه أبدا
[ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ] أى نظهر له في الآخرة كتاب أعماله مفتوحا، فيه حسناته وسيأته، فيرى عمله مكشوفا لا يملك إخفاءه أو تجاهله
[ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ] أى يُقال له : اقرأ كتاب عملك، كفى أن تكون نفسُك اليوم شهيدا عليك بما عملتَ ! ! لا تحتاج إلى شاهد أو حسيب
[ من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ] أى من اهتدى فثواب اهتدائه له، ومن ضل فعقاب كفره وضلاله عليها
[ ولا تزر وازرة وزر أخرى ] أى لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه
[ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ] أى وما كنا معذبين أحدا من الخلق، حتى نبعث لهم الرسل، مذكرين ومنذرين، فتقوم عليهم الحجة
[ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ] أى وإذا أردنا هلاك قوم من الأقوام، أمرنا المتنعمين فيها والقادة والرؤساء بالطاعة، على لسان رسلنا، فعصوا أمرنا، وخرجوا عن طاعتنا وفسقوا وفجروا، ففي الآية محذوف، دل عليه السياق، لقديره : أمرناهم بالعبادة والطاعة، وسلوك طريق الأنبياء والمرسلين، فعصوا الأمر، وفسقوا وفجروا، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، وهذا كما يقول السيد وهو يضرب عبده : أمرتُه فعصاني، أى أمرته بأمر فعص أمري وعصاني، قتنبه لهذا والله يرعاك ! !
[ فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ] أى فوجب عليهم العذاب بالفسق والطغيان، فأهلكناهم إهلاكا مريعا، قال ابن عباس :[ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ] أى سلك أشرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب
[ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ] أى وكثير من الأمم الطاغية المكذبين للرسل، أهلكناهم من بعد نوح كقوم (عاد وثمود وفرعون ) قال ابن عباس : والآية إنذار لكفار قريش، والمعنى : إنكم أيها المكذبون، لستم أكرم على الله منهم، وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق، فعقوبتكم أولى وأحرى
[ وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ] أى كفى يا محمد أن يكون ربك رقيبا على أعمال العباد، يدرك بواطنها وظواهرها ويجازي عليها
[ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ] أى من كان يريد بعمله الدنيا فقط، ولها يعمل ويسعى، ليس له هم إلا الدنيا، عجلنا له فيها ما نشاء تعجيله من نعيمها، لا كل ما يريد
[ ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ] أى ثم جعلنا له في الآخرة، جهنم يدخلها مهانا حقيرا، مطرودا من رحمة الله
[ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ] أى ومن أراد الدار الآخرة، وما فيها من النعيم المقيم، وعمل لها عملها الذي يليق بها، من الطاعات وهو مؤمن صادق الإيمان
[ فأولئك كان سعيهم مشكوراَ ] أى فأولئك الجامعون للخصال الحميدة، من الإخلاص، والعمل الصالح، والإيمان، كان عملهم مقبولا عند الله أحسن القبول، مثابا عليه
[ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ] أى كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا، والذين ارادوا الآخرة، نعطيه من عطائنا الواسع تفضلا منا وإحسانا، فنعطي المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي
[ وما كان عطاء ربك محظورا ] أى ما كان عطاؤه تعالى محبوسا ممنوعا عن أحد
[ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ] أى انظر يا محمد كيف فاوتنا بينهم، في الأرزاق والأخلاق، قي هذه الحياة الدنيا! ! فهذا غني وذاك فقير، وهذا شريف وذاك حقير
[ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] أى ولتفاوتُهم في الدار الآخرة أعظم من التفاوت في هذا الدار، لأن الآخرة دار القرار (وفيها ما لا عين رأت، ولا اُذُن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) كما ورد في الحديث الشريف